بعد استيلاء طالبان على كابول في 15 أغسطس الجاري، سارعت الحكومة اليونانية بإعلان أنها ستمنع الأفغان من عبور أراضيها إلى أوروبا مخافة تكرار أزمة الهجرة بين عامي 2015 و2016. صحيح أن الحكومة اليونانية وعدت ببذل كل جهد لإنقاذ ثمانية أفغان عملوا مع قواتها ضمن حلف «الناتو» في أفغانستان، لكنها استكملت سريعاً بناء جدار بطول 25 ميلاً على الحدود مع تركيا. ومنذ سقوط كابول، هرعت الدول الأوروبية -مثلما فعلت الولايات المتحدة- ترحل مواطنيها وحلفاءهم الأفغان.

وهذا المسعى حمل رسائل متضاربة، فهناك إحساس بالتضامن والمسؤولية مع الشعب الأفغاني وهناك خوف من هجرة جماعية حذر خبراء أنه بلا أساس ربما يستغله اليمين المتطرف. وأشارت كاثرين وولارد، مدير «المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين» البحثي غير الحكومي إلى أن هناك نوعين من الاستجابة الأوروبية، إحداهما قائمة على إثارة الهلع بشأن عدد الأشخاص الذين قد ينتهي بهم المطاف إلى أوروبا، والأخرى تتمثل في المسعى الكبير والمثير للدهشة من الدول الأوروبية لإجلاء أكبر عدد ممكن من الناس في سباق مع الزمن. فقد أعلن عدد من مدن أوروبا ترحيبها باللاجئين الأفغان.

ففي ألمانيا، وقع أكثر من 300 ألف شخص التماساً لإقامة ممرات آمنة لترحيل اللاجئين. وفي إيطاليا، تحدثت مارينا سيريني، وكيلة وزير الخارجية، عن إعلان عدد من البلديات ومنظمات المجتمع المدني ترحيبهم بالفارين من أفغانستان. وعقد زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع اجتماع طوارئ بشأن أفغانستان في الأيام القليلة الماضية. وتركزت المناقشة على كيفية إخراج أكبر عدد ممكن من الأفغان في مدى قصير وكيفية تنسيق برنامج لإعادة توطين الأفغان المعرضين للخطر في المدى المتوسط.

وأرادت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أن تبقى الولايات المتحدة في أفغانستان بعد الموعد النهائي المحدد بيوم 31 أغسطس لإتمام عمليات الإجلاء. والتناقض صارخ، فقبل أيام من سقوط كابول، ضغطت ست دول أوروبية على المفوضية الأوروبية كي تواصل ترحيل الأفغان الذين رُفض طلبهم في حق اللجوء لمنع تشجيع «المزيد من الأفغان على مغادرة بلدهم إلى الاتحاد الأوروبي».

والسؤال الأكثر صعوبة هو كيفية التعامل مع طالبان كي تيسر الترحيل وإعادة التوطين، وضمان أن يشكل النظام الذي أطيح به من قبل حكومة تضم أطيافاً مختلفة. ويرى كمال كريسجي، الباحث في معهد بروكينجز، أن مقدار تدفق اللاجئين الأفغان يتوقف على مدى اعتدال طريقة طالبان في الحكم. وتوقع كريسجي أن الشبان الأفغان الذين نشأوا في جو من الحرية أفضل، سيواصلون الخروج من البلاد بمساعدة المهربين. ويرى بعض الخبراء أنه لن يتمكن من الوصول إلى أوروبا إلا عدد صغير يمكن التحكم فيه من الأفغان رغم الخطاب التهييجي الذي يتبناه سياسيو اليمين المتطرف عن الهجرة في أوروبا.

وأشار خبراء إلى أن غالبية الفارين الأفغان سيستقرون في وسط آسيا والشرق الأوسط ولن تتكرر حركات الهجرة الجماعية في عامي 2015 و2016. ويرى البرتو هورست نيدهارد، المحلل في «مركز السياسة الأوروبية» البحثي أن لا مسوغ لإثارة الهلع ولا يوجد تشابهات مع عامي 2015 و2016. فقد أنفق الاتحاد الأوروبي السنوات القليلة الماضية في بناء شراكات قوية، مع تركيا بخاصة، لمنع الهجرة غير النظامية. وصحيح أن سوريا كانت بؤرة المشكلة لكن حركات الهجرة عامي 2015 و2016 كانت نتيجة عدم الاستقرار عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وليس في بلد واحد.

ومنذئذ، عززت أوروبا تحصين حدودها بشدة ولديها الآن وكالة قوية لحرس السواحل والحدود وهي «فرونتكس». وتؤكد انجليكي ديميتريادي، الباحثة البارزة في «المؤسسة الهيلينية للسياسة الخارجية والأوروبية» البحثية اليونانية المستقلة أن أوروبا سئمت من مشكلة اللاجئين ولن ترحب بالأفغان. وأضافت ديميتريادي أن الأزمة الأفغانية تأتي في وقت يشهد فيه اقتصاد أوروبا ضعفاً بسبب جائحة كورونا، وفرنسا وألمانيا تواجهان انتخابات محورية. وأوروبا لم تفلح أيضاً في التوصل إلى سياسة مشتركة في الهجرة واللجوء.

وفكرة التضامن الأوروبي تنهار حين يتعلق الأمر بمشاركة أعباء اللاجئين. ويرى خبراء أن لا جدوى من المناقشات الحالية الخاصة بأنه يتعين توسيع بيان الاتحاد الأوروبي-تركيا، وهو اتفاق للتحكم في الهجرة لتوفير ضمانات لطالبي اللجوء السوريين، ليتضمن الأفغان أو استخدامه كمسودة لصفقات مع جيران أفغانستان. ويعتقد الخبراء أنه من الأجدى وضع برنامج عالمي لإعادة التوطين وتقديم دعم قوي للمنظمات الدولية التي تدعم الأفغان بالفعل داخل بلادهم وفي المنطقة المحيطة بها.

وتؤوي تركيا نحو 500 ألف أفغاني، وأيضاً نحو أربعة ملايين سوري. وباكستان وإيران تؤوي كل واحدة منهما ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني. ومنذ عام 2015، طلب نحو 600 ألف أفغاني اللجوء في الاتحاد الأوروبي. وترى «نيمه نيك كارتييه» مديرة سياسة الاتحاد الأوروبي في «لجنة الإنقاذ الدولي» أنه من الأفضل أن يحمي التكتل الأفغان ويدعم دول المنطقة بدلاً من بذل جهود في منع وصول الأشخاص إلى أوروبا. وأشارت إلى أن غالبية الأفغان نازحون داخل بلادهم وأن التطورات الأخيرة فاقمت فحسب الاحتياجات الإنسانية داخل البلاد. وعزز التكتل المساعدات الإنسانية لأفغانستان بنسبة 18% هذا العام. لكن لم يُجمع من أموال خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2021 التابعة للأمم المتحدة إلا 37% فقط. وهناك أكثر من 18 مليوناً في أفغانستان في حاجة إلى مساعدات إنسانية.

*مراسلة صحفية دولية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»