جماعة «الإخوان» و«القاعدة» وتنظيم «داعش» و«حزب الله» وجماعة الحوثي وحركات أخرى كثيرة تختلف فيما بينها، فللكل مرجعيته وأهدافه وسياسته، لكن هناك دائماً ما يجمع هذه الحركات كاستخدام الدين وسيلة لخداع الشعوب.

فهذه الجماعات التي تتحدث عن العودة للشريعة ستكيّفها بما يتلاءم مع تحقيق أهدافها وسيطرتها على عقول الشارع، فأثر جماعة «الإخوان» على الحركات المتأسلمة والإرهابية كان كبيراً، فأفكار السيد قطب كانت مرجعاً للكثير من تلك الحركات، فقطب -منظر جماعة «الإخوان»- كان يكفِّر المسلمين ممن لا يتفقون مع توجهاته الفكرية أو تفسيره للدين، وبذلك يتفق مع قادة الحركات المتطرفة في الكثير من الدول، ويتفق مع مؤسس جماعة «الإخوان» حسن البنّا الذي كان له تصنيفان للمسلمين، حيث كان يضع «الإخوان» في خانة مجتمع المؤمنين وباقي المسلمين في خانة مجتمع الباطل، وهذا بالضبط ما تتفق معه باقي الجماعات المتطرفة التي تكفّر الآخر المختلف. فجماعات الإسلام السياسي، مع اختلاف نشأتها، قد تأثرت بأفكار بعضها البعض، حتى أن هناك من يشير إلى أن قادة «القاعدة» كأسامة بن لادن وأيمن الظواهري كانوا يعدون مؤلفات قطب مرجعية لهم.

مناسبة هذا الحديث قيام جماعة «الإخوان» في أكثر من بلد عربي بمباركة وصول جماعة «طالبان» للسلطة ودخولها كابل، حيث نشرت جماعة «الإخوان» السورية بياناً هنأت فيه «طالبان»، وقالت إن نصرهم عيد حقيقي لكل الشرفاء، وهنأت الجماعة نفسها بما سمته «نصر أفغانستان»، أما «إخوان» غزة متمثلين في حركة «حماس» فقد هنؤوا هم أيضاً «طالبان» عبر اتصال هاتفي أجراه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية برئيس المكتب السياسي لحركة «طالبان» الملا عبد الغني برادر. وكذلك «إخوان» مصر فقد غازلوا هم أيضاً «طالبان» حيث أن الهاربين في تركيا وبعد لفظهم والتحضير لطردهم بدؤوا ينظرون لأفغانستان كمكان يمكنهم اللجوء إليه كي يستمروا في ممارسة سياستهم التحريضية من هناك.

ولفهم الصورة الأكبر تنبغي الإشارة إلى أن جماعة «الإخوان» في أفغانستان نفسها تغازل «طالبان» حالياً، حيث رحّبت جماعة «الإصلاح» الأفغانية بانتقال السلطة لـ«طالبان»، في محاولة للحصول على قطعة من الكعكة الأفغانية، خاصة أن حركة «طالبان» قدمت نفسها بصيغة جديدة معرِبةً عن استعدادها لمشاركة القوى الأخرى في السلطة.. لكن هل يتحقق ذلك في ظل التاريخ الشائك بين الجماعتين؟

تاريخ «الإخوان» في أفغانستان يرتبط بغلام محمد نيازي الذي درس في مصر وانضم لجماعة «الإخوان» المصرية وتأثر بأفكار قطب، ثم عاد لأفغانستان عام 1957، وأطلق جماعة الشباب المسلم الإخوانية، ليكون الأب الروحي لجماعة «الإخوان» التي كانت بداية ظهور حركات إسلام سياسي هناك، متأثرةً بتغير الواقع السياسي في أفغانستان، ثم ليأتي برهان الدين رباني ليحول الجماعة الإخوانية السرية إلى حزب سياسي.

وكان رباني الذي اغتيل في عام 2011، قد وصل إلى الحكم عقب الحرب ضد السوفييت، ثم أُقصي بعد دخول «طالبان» كابول عام 1996، ليشارك في التحالف الذي أسقط الحركة فيما بعد. خلاصة القول هي أنه، وعلى الرغم من حالة العداء التاريخي مع حركة «طالبان»، فإن جماعة «الإخوان» في مختلف البلدان بادرت بالغزل وتحاول فتح صفحة جديدة مع الحركة بعد استيلائها على العاصمة الأفغانية وعلى مقاليد الحكم، وقد جاءت التهنئة من عدة بلدان ينشط فيها «الإخوان» أو حتى في منافيهم، لكن ذلك ليس بغريب إذا عدنا بالذاكرة إلى تاريخ «الإخوان» في الانتهازية والمراوغة والبحث عن الفرص.

* كاتب إماراتي