عند مشارف القرية، يمد أنامل ليكتب على سبورة الحياة، عن زمن تولى وآخر يتهجى حروف الأبجدية، ويستدرج الوجوه التي كانت نجوما تسير على الأرض، وتحت قبعة السماء العملاقة.
تقف أنت المعنى بأبجدية الحلم، وتستدعي الذاكرة كي تحضر ورقة وقلماً وتسجل، ما جرى، وما يجري، وقلبك الشقي مدمى بمشاهد، وأحداث، حتى إن سفينة «بوم» السفر الطويل، كانت ترسو هنا وكأنها اليوم تحط رحالها عند قلبك المكلوف شغفاً بتلك الأيام تغوص في سويعات ألمك، ثم تنهض، وترفع هامة تتحداها جدران بيت أصبح اليوم أيقونة تقشر طلاؤها، وتقرح الطوب وكأنه المجدور في بقعته القصية، كأنه المنبوذ في عرائه،  تتوقف هنا عند زاوية في المكان، وتتأمل، وتهيم في التفاصيل، وكأنك الفراشة تنوء تعباً من اختناقها في زجاجة مغلقة، تحاول أن تلتقط الأنفاس، والبيت العتيق، يخلد في سبات عميق، على رمل أحزانه، البيت العتيق هنا في هذه القرية المأزومة بوحشة أزقتها، وحواريها، ولكنك عندما تغرق النظر في المكان تشعر بشيء ما يثب من حولك، ويصدر جلبة، ويدور، كأنما تحركه بكرة عجلة عفوية، تشعر برعشة، حيث الليل البهيم يسرد قصة العزلة، وما تفعله في النفوس عندما تكون الجدران أشبه بأسوار تهدمت بفعل حومة كونية، تحاول أن تهرب من شياطين العقل المؤدلج بالصور الخرافية، تحاول أن تفلت من إلحاح الروح، على البقاء لشم بخور زمن والنظر إلى صور ووجوه امتزجت مع مرور التاريخ بتراب بلله الندى، وعرق أجساد ربما لا يتقبلها فناء تلك الجدران، ولكن الزمن، كان يحمل سوطاً قاسياً عندما أمر بأن تترك الجدران وحيدة، كي تتسلل منها أصابع غير تلك الأصابع التي ملحها البحر حتى صارت جزءاً من موجاته، وصليل محاره، وشيئاً من زعانفه النبيلة.
كلما أرخى الليل سدوله، شعرت أنت برغبة جامحة للتسلل عبر ملاءته السوداء، والولوج في تلك الغابة من الأعشاب النابتة سراً، ولكن رغبتك، تلجمها صورة أم الدويس والتي قيل إنها تسكن البيوت المهجورة، تتراجع، وفي قلبك لوعة، تتعثر بحجر، وربما كان الحجر ينوي ترك بعض من دمك عند تلك الجدران، وهو أقل ما يمكن فعله، إزاء هذه الأيقونة التاريخية والتي يطلق عليها بيت آل مالك.
المشاعر كالذهب، كلما قدمت، كلما ازدادت بريقاً، وتألقاً وها هي مشاعرك اليوم تبدو مثل قلادة، تود لو أنها تعلق على هذه الجدران العريقة.