مصر لا تُختصر في مقال ولا تكفيها حكايات الليالي الطوال، ولا توقفها النقطة على السطر، لأنها هي في ذاتها نقاط مضيئة على سلم الحضارات الإنسانية. قدرنا أن ندخل مصر آمنين مطمئنين، في زمن «كورونا»، لقد قهرت قاهرة المعز ودحرت فيها الوباء، وأعادت الحياة إلى حياة تحيا مصر من جديد لمن يقصد اللحن الخالد في النهر الخالد. في الغردقة كانت جنة الدنيا لمن أراد ينسى هموم اللحظات واستبدالها بخيوط حرير السعادة. كانت الإمارات ومصر في قارب وقالب وقلب واحد، عبر ندوات ومحاضرات ودورات مكوكية استمرت لثلاثة أيام اختلط فيها السياحة الذائقة باكتساب مهارات الإعلام عبر الجوال.

كان اللقاء مع نخبة الإعلام المعتق والمرقم في الإمارات ومصر المحروسة بمتاريس الشعب العريق في أصالته وعمق جذوره الضاربة في أغوار نبض الإنسانية منذ الأزل المحسوس في أروقة المتاحف المنادية أن هلموا إليها للبرهان المبين. في المتحف لاحظنا تطور جمال المرأة المصرية منذ نفرتيتي إلى ابنة الخديوي إسماعيل، وكانت هذه إجابتي على سؤال من أسئلة مقابلتي في تلفزيون مصر، وبعد انتهاء المقابلة، علقت المذيعة: «واحنا ملناش نصيب»، وكانت الإجابة: بلى أنتن انعكاس للجمال على الواقع وليس في المتاحف.ماذا قدمت مصر العروبة والإسلام المعتدل للإمارات أولا قبل أن تكون دولة متحدة في خمسينيات القرن الماضي؟

قدمت نظاماً تعليمياً متكاملاً، يرقّي الإنسانية في إنسان إمارات، ذلك الزمن ليواكب تعليم المستقبل للأجيال، فالبنية الأساسية كانت هنا، ثم انتقلت بطلب من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رحمه الله، لإرسال مهندسين مختصين في البنية التحتية لإمارة أبوظبي في العام 1955.فبداية العلاقة لم تكن في 1971، باتحاد الإمارات بل بتبني إذاعة «صوت العرب» لتطلعات شعوب المنطقة للخروج من تحت وصاية الاستعمار إلى مرحلة الاستثمار في الاستقلال.

في حرب 67 يستدين زايد مائة مليون جنيه إسترليني للوقوف مع مصر ضد العدوان الغاشم، وبعد «الربيع العربي» الغادر يقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ضده لصالح صمود مصر وشموخها. مصر لا ولن تدخل إليها غريبا أبداً، وهذا نتيجة ثلاثة زيارات وليست قراءات أو انطباعات، سائق السيارة من المطار إلى أي وجهة لا يتركك صامتا وإن كنت مصابا بالتوحد فيبادر قائلا تسمعوا إيه: عبدالباسط، أم كلثوم أو عبدو. لا يعرفك ولكن لا يحرجك، فتضحك رغما عنك لتختار ذائقتك. لا يقف الأمر عند هذا الظريف بالطبع، بل نجد أحد مشايخ الأزهر ممن ارتشفنا منهم رحيق الوسطية والاعتدال والتعايش بالتسامح، وجدناه أظرف. في حصة التربية الإسلامية، يشرح لنا هذا الوقور معنى حديث الرسول المصطفى «المؤمن كيّس فطن» فيقول باللهجة العامية المصرية: «يعني المؤمن قلبه أبيض زي القطن المصري طويل التيلة« هكذا مدخله إلى الدين كي يخدم مخرجاته الدنيا. وعند باب مسجد عمرو بن العاص، طلبت من رجل الأمن أن أخطب الجمعة، فرد علي قائلا: تعال بكرة السبت، فضحك جميع زملائي على هذا الرد. الإمارات ومصر في رؤية واحدة للحفاظ على مصر كما هي على سجيتها، مع تعميق جذورها وتقوية شوكتها أمام المتربصين بها، فهما اتخذتا من الوطنية قارب نجاة أمام دعاة ورعاة الفكر المتطرف.

* كاتب إماراتي