عندما ضرب زلزال بقوة 7.2 درجة هايتي، يوم 14 أغسطس الجاري، أصبح الكثيرون خارج البلاد أيضاً يهتزون قلقاً على الشعب الهايتي. فقد أثار الزلزال ذكريات الآثار المضطربة لزلزال هايتي عام 2010، ومدن الخيام المليئة بالأمراض، والاعتداءات الجنسية، والاستجابة الإنسانية الدولية التي استبعدت إلى حد كبير السكان المحليين من عملية صنع القرار.

ومنذ عام 2010، تم اعتبار هايتي مثالاً على ما يحدث من خطأ بالنسبة للمساعدات الدولية في حالات الكوارث. بيد أن عمال الإغاثة المحليين والأجانب يقولون، هذه المرة، ربما تكون الأمور مختلفة. هذا لأنه في المرة الماضية «تعلَّمنا الكثير عن الدعم الذي يقوده المجتمع، وكيف يمكن للنظام الدولي أن يدعم الجهود المحلية بدلاً من إحباطها»، كما تقول كريستين جيلسدورف، مديرة السياسة الإنسانية العالمية بجامعة فيرجينيا.

لم يتغير الكثير في هايتي منذ عام 2010، فالفساد الحكومي مستمر، والجوع منتشر على نطاق واسع، والمشاكل اليومية تطال كل المناطق، بما في ذلك المناطق الأكثر تضرراً. لكن هناك دلائل على وجود نهج جديد للاستجابة للكوارث، مما يعطي الأمل في أنه يمكن الاستفادة من أخطاء الماضي في جهود اليوم، وفقاً للمنظمات غير الحكومية المحلية والأكاديميين وممارسي المساعدات الدولية.

ويشمل ذلك ميثاق المعايير الدنيا لمنظمات الإغاثة التي تصل إلى البلاد، والتي يقودها تحالف من المنظمات غير الحكومية في هايتي، وتحركات لتعزيز التنسيق بين مجموعات المجتمع المدني المحلية ومنظمات المعونة الدولية، والهيئات متعددة الجنسيات والحكومة. وقد ارتفع عدد الوفيات نتيجة الزلزال الأخير إلى أكثر من 2000 شخص، وأصبح عشرات الآلاف بلا مأوى، معظمهم في الجزء الجنوبي من البلاد.

وقد أعاقت وصولَ المساعدات الطارئة عاصفةٌ مداريةٌ هبّت في أعقاب الزلزال، علاوةً على ضعف الدولة الهايتية الذي سمح للعصابات الإجرامية بالسيطرة على أجزاء من البلاد، بما في ذلك الطرق القليلة التي تربط العاصمة بالمناطق الأكثر تضرراً.

وأضاف اغتيالُ الرئيس الهايتي الشهر الماضي أزمةً سياسيةً متزايدةً إلى هذا المزيج. وكانت هناك دعوات واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الأسبوع، للمانحين للبحث عن الجمعيات الخيرية الهايتية أو التبرع مباشرةً للحكومة، في ضوء ما اعتبره الكثيرون إساءة استخدام للأموال من قبل الجماعات الدولية في عام 2010. وتؤكد وثيقة أعدها متخصصون في المنظمات غير الحكومية الهايتية ونظراؤهم في الولايات المتحدة على وجود جهد مرئي للتوصل إلى حل للمشاكل التي خلفها زلزال 14 أغسطس الجاري.

وجاء في الوثيقة أن «الهايتيين الذين يعيشون في البلاد وخارجها يشككون بشكل مبرر في المساعدات الخارجية»، وأنه حان الوقت «لدعم المنظمات التي تبني هايتي أكثر إنصافاً للهايتيين». وتضع الوثيقة سلسلة من «المعايير الدنيا» لمنع نفس الأخطاء التي شوهدت في عام 2010، وتدعو المنظمات التي تطلب التبرعات للتعهد باحترام الهايتيين. ويقول مارك شولر، أستاذ دراسات المنظمات غير الربحية وغير الحكومية في جامعة إلينوي الشمالية، إن «المتخصصين الهايتيين يؤكدون قدرتَهم على العمل»، معرباً عن تفاؤله الحذِر بأن الاستجابة للكارثة الحالية ستكون مختلفة عن الماضي.

قد يبدو الإنصات إلى ما يريده السكان المحليون واحترامهم كبشر أمراً بسيطاً. لكن في حالة الطوارئ، حيث تكون الأولوية لإخراج الناس من تحت الأنقاض، ومنعهم من الجوع، والحد من تعرضهم للمزيد من المخاطر.. لذا ليس من السهل دائماً، أو الطبيعي، أن تتوقف وتسأل المجتمع عما يحتاج إليه.

يقول لانجدون جرينهالج، الشريك المؤسس لمنظمة الاستجابة للكوارث العالمية للإغاثة والتعافي وإعادة الإعمار: «طبيعي أن تعرف ما يحتاجه الناس، لأنك فعلت هذا من قبل.. لكن الجلوس والإنصات والتأكد من أن المجتمع يشعر بأنه في طليعة صنع القرار وقيادة الاستجابة الفعلية هو بحد ذاته أمر مهم للغاية لإعداد خطة التعافي وإعادة الإعمار». ويعتقد جرينهالج أن هناك اليوم المزيد من المنظمات التي تتخذ نُهُجاً مماثلة للشراكات والتعاون المحلي تفوق ما كانت عليه في عام 2010.

لقد تغيّر التفكير خلال العقد الماضي من نواحٍ أخرى أيضاً، والتي يتوقع الكثيرون أنها ستجعل هذه الاستجابة مختلفة –وأكثر فاعلية –مما كانت عليه في عام 2010. ويشمل ذلك المساعدة «المتخصصة»، والتي ربما يُنظر إليها على أنها ميزة في الماضي، لكنها الآن مقبولة على نطاق واسع كعنصر أساسي للتعافي والدعم في مواجهة الصدمات وفرص لتقديم الترفيه للأطفال دون سن الخامسة.

واكتسبت طرق أخرى، مثل التحويلات النقدية المباشرة، زخماً أيضاً منذ عام 2010، وتتوقع الدكتورة جيلسدورف أن تلعب دوراً رئيسياً في الاستجابة للكوارث في هايتي هذه المرة، وتقول: «بدلاً من إرسال الأقمشة والخيام وأكياس الطعام والملابس من الخارج»، يمكن لمجموعات الإغاثة تحويل الأموال مباشرةً إلى المحتاجين.. إنه ليس أكثر كرامة فحسب، بل أكثر فعالية، كما أنه يحفّز الأسواق المحلية».

ويقول توني بورسيكوت، رئيس مكتبة منظمة نجمة الأمل في هايتي، وهي منظمة غير حكومية تركز على الوصول للتعليم الجيد، إن الاستجابة حتى الآن تبدو مشابهة إلى حد كبير لعام 2010. لكن يبدو أن الموارد الدولية، من مياه نظيفة وإمدادات طبية ومروحيات، تتدفق. من ناحية أخرى، تَعِد السلطاتُ في هايتي ببذل المزيد من الجهد، حيث أعلن رئيس الوزراء أرييل هنري هذا الأسبوع: «لن نكرر نفس الأشياء التي تم القيام بها في عام 2010، حيث تلقت الدولة الكثير من التبرعات، وتم إنفاق الكثير من الأموال دون رؤية فعالة». لكن هايتي لا تزال تسعى جاهدة لتنسيق استجابتها.

*صحفية لدى «كريستيان ساينس مونيتور» تغطي أميركا اللاتينية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»