رغم ما شكلته «الوكسات» الاقتصادية العالمية من مخاطر متعلقة في تراكم العجز المالي، أو تدافع تداعيات الأزمات مع الكوارث الطبيعية، مضافاً إليه فشل إداري اقتصادي إصلاحي، إلا أنها شهدت بعد عام 2010 انحساراً ملحوظاً، رغم تمدد بعض المظاهر واستمرار أخرى، إذ كانت تسير في مجراها الطبيعي، وضمن تسلسلها المنطقي المتجه للتعافي.

ولكن في ظل التفاوت في المستوى المعيشي والاقتصادي للمجتمعات الإنسانية، على امتداد الكرة الأرضية، فإن السؤال الذي طرح نفسه دار حول الأولوية في خطة التعافي العالمية، فهل يكون من نصيب تسريع النمو الاقتصادي، أم القدرة على شموله دول العالم متنامياً بالتساوي؟ باعتبار هذه النواحي مهمة، ولكن لا يمكن تحقيقها بالتزامن، ذلك أن الحفاظ على وتيرة مرتفعة في النمو الاقتصادي أمر في غاية الضرورة، ويمثل عقاراً نشطاً لداء نهش الجسد الاقتصادي العالمي.

ومن ناحية ثانية، فإن الحديث عن النمو والنهضة الاقتصادية، إذا بقيت الأخيرة تشيح بوجهها عن الدول ذات المستوى «الأقل حظاً»، فإن ذلك سيؤول لمشكلة وليدة تمتد من الدولة الضعيفة «اقتصادياً»، ملقياً بظلال تداعياتها من بطالة، وفقر، وجوع، لأبعد من حدودها! وقد أشار العديد من الاقتصاديين، ومنهم رجل الاقتصاد الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، وكبير خبرائهم (جوزيف ستيجليتز) للتزايد الملحوظ لعدم المساواة في العديد من البلدان، ناهيك عن كونها فتيلاً أشعل الأزمة عام 2008. وأرى أن الإطاحة بمعايير المساواة الاقتصادية في بعض الجغرافيات، ما هو إلا «مُسَكِن موضعي» للنزف الذي يعاني منه جسد بأكمله، إذ تتكاثر وتنقسم تداعيات عدم المساواة لتشمل أكثر من 70% من سكان العالم، الأمر الذي يعني ضخ المزيد من مخاطر الانقسامات، وتعطيل خطوط التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وذلك وفق تقرير حديث صادر من منظمة الأمم المتحدة. والأمر الذي يضع العالم في حيرة، أن التفاوت الدولي لا يقتصر على الاقتصاد وحسب، بل هو متعلق بكافة الإمكانات، والثروات، والقدرات، وغيرها، وفي ذات الوقت فإن النظر لتداعيات الحالة السابقة (عدم المساواة)، يُشيع حالة من «الشلل» الحقيقي في منظومة محاولة تعميم التساوي.

وبعيداً عن التشاؤم فإن الحقائق الصادرة عن أخبار الأمم المتحدة، تنطق بلسان الواقع، إذ يستحوذ 1% فقط من سكان الأرض على الأرباح العالمية، في ظل تفاوت ساحق للدخل - على سبيل المثال - يزيد متوسط الدخل في أميركا الشمالية، بنحو 16 ضعفاً على مثيله في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى !

وفي محاولة لإضعاف الأساسات التي تقوم عليها ركائز أي مشكلة، أو عقبة، إلا أن دعامات هذا النوع من اللامساواة لا يمكن إضعافها كافةً، في حين يسعى العالم بالاستمتاع بلذة تطورها وترعرعها، من ابتكار تكنولوجي، على أقل تقدير! ورغم ذلك، فلا يزال هناك بصيص أمل للعالم، للسيطرة على تلك الحالة، وبخاصة أن هذا التزايد في «مباراة» انعدام المساواة لم تنته جولاته بعد، ولا يزال هناك مجال لمعالجته، مما قد يؤدي لتجلب رياح هذه المعالجة معها، بوادر خيرة في إنعاش القرارات السياسية المتعلقة بالتحديات الكبرى المشتركة، سيما أن ذلك يكون من خلال توسيع دائرة الفرص، ورقعة انتشارها، وخط السياسات الشاملة ذات «العصب» الواحد والهم الواحد، إفساح المجال لصعود التشريعات الجديدة على المنبر العالمي، مما يعني آفاق تعاون عريضة. وعليه، فإن التحديات المشتركة، وتقاسم الأهداف، يخفف من وطأة تخيير العالم بين أبيض أو أسود، ويجعل منها ريشة قادرة على تحويل المنطقة الرمادية، لألوان حياة يانعة، ويافعة، تنبض بالحياة والإرادة والإنجازات، فبدلاً من النمو الاقتصادي أو شموله، يقول الاقتصادي، ونائب مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي (جوناثان أوستري): «تستطيع البلدان تحقيق كلا الهدفين من خلال اتباع السياسات السليمة»، فالنمو الرائع ليس بالضرورة أن يكون للامساواة جامعاً ! *أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة