مرات تكون في بلاد بعيدة عن بلادك، وتحتاج شيئاً من أشيائك التي يمكن أن تتعثر بها في الطريق في بلدك، ولكنها عزيزة وغالية ونادرة وربما غريبة أن تجدها في بلد أوروبي أو أميركا، والحديث هنا عن أوروبا في زمننا في الثمانينيات والتسعينيات، مقارنة بوضعها وحالها الآن، أشياء التي لا تتوقع أن تجدها في مكان ليس بمكانها، وتتعجب كيف وصلت إلى هناك، ومن فكر فيها أولاً، مغتنماً الفرص، صابراً ومحتسباً؟ لأنها من البضائع التي يمكن أن تبور أو لا تجد سوقها عندهم، لأنها غير معروفة، ولا يقبل عليها سكانها؛
- شخص انكسر مدواخه نتيجة ثلج ميونخ مثلاً، حيث التدخين والمدخنين للخارج، ولو كان الطقس جليدياً، وهو أمر محزن، لكنها العادة التي لم يقدروا على تركها، وتفرض عليهم «صوعها»، خاصة بعد فرض الحصار عليها بالضرائب، وعزلهم في أماكن ضيقة أو طرد عشاقها خارج المباني، من يتصور أن يجد في قلب أوروبا دكاناً يبيع «المداويخ والدوخة» وكأننا في شارع الدفاع «قديماً»، أو محل يبيع «الفقاع واللقيمات»، ويقول لك: «تبا وياها عسل وإلا دبس»؟ أمر يدعو للعجب، والدهشة.
- في زماننا الأولي، كنا نبحث عن «يونية العيش» في أوروبا، ونفرح حين نجدها تباع في محل في «باربيس» في باريس، حيث يقيم المهاجرون العرب، ونشتريها ولو كانت مدتها الافتراضية منتهية، أو مليئة بـ «الدويبة»، وكذلك نفرح في أيامنا الخوالي، حين نجد محلاً يبيع التمر، نقطع له الأميال، وودنا لو «حبّيناه» على رأسه، من زود غلاته، فـ «يراب السح» وفي باريس، كان يضحكنا، بقدر ما كان يطيب أكبادنا، ولقد اشتريت مرة تمراً من النوع «المجدول» ربما جاء من كاليفورنيا أو من أريحا، ما زلت أذكرها، ولا أنساها حبة التمرة الواحدة بفرنك فرنسي، ولو أخبرت أحد شوابنا، لربط رأسه دون وجع، ولقال: «عَيَلّ قوسة السح بكم؟ وإلا الفرض الحسيل، وإلا البسر الحسال بكم»؟
- ومن عجب ما تجده في أوروبا من بضاعتنا التي ردت إلينا، كنا مرة في أكثر من بلد أوروبي، ومعنا بعض من «شوابنا»، ورغم ما تتميز به القهوة في أوروبا من نكهة رائعة، ومسميات كثيرة، وطقوس رائعة، إلا أنها لم تكن «تيب رؤوسهم»، ويظلون يحنّون لرجّة فنجان الصبح، والقهوة المقندة، وقد نفدت ذخيرتهم منهم، لأنهم طوال اليوم يظلون يشتكون من البرد، ويَزِلّون في تلك الدلال، ودلة وراء دلة، حتى غدت تصفرّ عدتهم، ولكن بعد البحث، والسؤال، وجدنا أنواعا مختلفة من قهوتنا البيضاء والسمراء والمهيلة بالزعفران والمسمار، ما جعل «الشواب» يستطيبون الإقامة، فقد ضمنوا أن تبقى الدلال حارة، بجانب «مقفلة السح» طوال اليوم.
- لقد ولى زمن «التذخير»، وحمل شنط زائدة فيها ما يخص أكلنا وشربنا، ودفع الأوزان، وعتل الأثقال، اليوم.. لو أرادوا جماعتنا «العوال والعومة والجسيف وأبياب المالح» سيجدونها في مكان ما في أوروبا، فثمة أناس يعرفون من أين تؤكل الكتف، وبالثمن الذي يريدون، ونحن لو لم نحصل على بضاعتنا، فستتوقف حياتنا حينها، لأننا لا نصبر عنها، ولا تستقيم حياتنا بدونها، لذا بقي ذلك السؤال يرّن في رأسي وأنا أتجول في شوارع أوروبا التي تغيرت قليلاً؛ شو يسوي المدواخ، وصرة الدوخة في جمهورية ألمانيا الاتحادية؟ وما علاقة «الفقاع واللقيمات والخنفروش وشاي الكرك» بشارع «فردريشتراسه» أو «يونية العيش البسمتي» ذو الحبة الطويلة في شارع «يونغفيرنشتيغ»؟