تطورات متسارعة شهدتها أفغانستان خلال الأيام الماضية، وانتهت بسيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، بعد مشهد الانهيار السريع للقوات الحكومية الأفغانية والانسحاب المرتبك للقوات الأميركية. أثارت هذه التطورات حالة من الجدل العالمي، وطرحت تساؤلات كثيرة حول أسباب ما حدث وتداعياته، سواء على الداخل الأفغاني أو على مجمل تطورات الأوضاع في المنطقة، وهي تداعيات لا تزال تدور ضمن حالة اللايقين، وستتوقف على طبيعة المسار الذي ستسلكه أفغانستان تحت حكم طالبان.

وبصرف النظر عن أسباب ما حدث في الساحة الأفغانية، فإن الأمر الواضح أن أفغانستان تقف حالياً عند مفارق طرق، ويبدو ثمة مسارين أو سيناريوهين سيحددان مستقبل هذا البلد: المسار الأول، أن تكون حركة طالبان استوعبت أخطاء فترة حكمها الأولى (1996-2001) وأنها ستتصرف باعتبارها فاعلاً سياسياً أفغانياً يسعى لإدارة السلطة السياسية بمنطق المشاركة، مع عدم إقصاء الآخر والابتعاد عن منطق التصفيات السياسية ، واحترام التنوع الثقافي في المجتمع الأفغاني وحقوق المرأة الأفغانية، وهو ما يعزز الأمل في إمكانية أن تتجه الدولة الأفغانية تحت حكم طالبان نحو نوع من الاستقرار.

وقد ظهرت مؤشرات توحي بإمكانية حصول ذلك، مثل العفو العام الذي أصدرته الحركة عن المسؤولين السابقين في الحكومة الأفغانية، وقيامها بدعوة النساء إلى الانضمام لحكومتها الجديدة، والتعهد بعدم استخدام أفغانستان كقاعدة لشنّ هجمات إرهابية تستهدف أمن دول أخرى. المسار الثاني، وهو عودة الحركة إلى سياسات ما قبل عام 2001، ما يشكل تهديداً لحالة السلم الأهلي الأفغانية وكذلك للدول المحيطة بها بل وللعالم كله، وهو ما يجعل كثيراً من الدول مترددة في اتخاذ خطوة الاعتراف بها.

الأمل معقود على أن تكون طالبان قد استوعبت بالفعل التغيرات الحادثة في البيئتين الإقليمية والدولية ونتائج الأخطاء التي ارتكبتها قبل عام 2001، والتي أدت إلى الإطاحة بها من الحكم، وأن تتحرك باتجاه بناء دولة مدنية تضم جميع الأطياف وتحترم حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق المرأة. ورغم حالة اللايقين التي لا تزال تحيط بالمشهد الأفغاني، فإن هذا السيناريو ربما يكون هو الأفضل الذي يتمناه المجتمع الدولي والشعب الأفغاني الذي ينشد الخروج من دائرة الصراعات التي عاناها طيلة العقود الماضية.