في بعض الأحيان، هناك من يحاول افتراض البراغماتية في تنظيم سياسي ما، ربما من باب التفكير الرغبوي، أو أملاً في تحولات جديدة يترقبها كثيرون بحالة من عدم التأكد والحذر، استناداً لمعطيات سابقة. وربما ينطبق هذا الآن على المشهد الأفغاني الراهن.

العنوان الأوحد الذي أعلنت عنه طالبان في محاولة لطمأنة المجتمع الدولي هو أنها لن تفرض البرقع على المرأة الأفغانية، إلا أنها ستفرض ارتداء الحجاب. خطوة «طالبان» تلك تشير إلى أن الحركة تعي حجم المسؤولية تجاه ضامنيها، وهم كثر، فبعضهم متضامن لما تعنيه الجغرافيا وموارد أفغانستان الطبيعية، ذلك بالإضافة لما مثلته أفغانستان من «استنزاف للخصم»؛ أي الولايات المتحدة سياسياً، معنوياً ولهيبتها العسكرية في عملية التزاحم الجيواستراتيجي.

أما الضامن الثالث، فهو الطرف الذي فرض نفسه راعياً للمفاوضات الأميركية الأفغانية. لذلك ستحاول هذه الأطراف مجتمعة إقناع طالبان بتبني خطابٍ سياسي مهادن نسبياً كجزء من تسهيل مهمة الأطراف الضامنة، ذلك أولاً، أما ثانياً، فهو التأسيس لعملية انتقالية جديدة. وبالعودة لافتراضات البعض بأننا يجب أن نفترض حُسن النية التاريخية إلى أن يثبت العكس، فما هو المدخل التاريخي المفترض سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، خاصة أن أفغانستان متصلة جغرافياً بدولتين ذاتي طموح سياسي قد يمتد ليطال الجغرافيا الأفغانية، وتاريخ النزاع الأفغاني- الأفغاني يؤكد ذلك؟

بين ما هو مبدئي وأخلاقي في المعادلة القائمة أفغانياً، أو ما يحاول الكثيرون تسويقه هو القبول انطلاقاً من ترجيح الواقعية لانعدام الخيارات الأخرى، وكذلك نتيجة الإنهاك السياسي الذي تعاني منه جميع الأطراف، أو وجوب القبول به انطلاقاً من قاعدة الاختلاف الثقافي. فهل يجوز تقبله بمعزل عن تأثيرات ذلك جيوسياسياً وجيواستراتيجياً؟ وما هي مسؤولية الأطراف الضامنة لهذا التحول؟ فهل ستقدم الضمانات اللازمة لاستقرار أفغانستان أو تحفيز طالبان لتبني نموذج يمكن التوافق عليه أفغانياً ويكون مستقراً.

أول تحديات تخليق نظام سياسي قابل للتوافق عليه أفغانياً هو استدامة التوافق بين أجنحة طالبان أولاً. أما ثانياً، فذلك قبول القوى الأفغانية الأخرى والتي حُجمت من قبل الولايات المتحدة خلال تخبطها في إدارة الملف السياسي أفغانياً. وطالبان حتى بعد حيازتها الاعتراف الدولي بالأمر الواقع إلا أنها ستمضي في مشروع إقامة الإمارة الإسلامية.

* كاتب بحريني