كيف يمكن لدونالد ترامب، بعد ستة أشهر من ترك منصبه، ممارسة قدر كبير من النفوذ داخل الحزب الجمهوري؟ رجل هُزم انتخابياً، ولم يحظ بشعبية كبيرة طوال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه رئيساً، وأنهى تلك السنوات بنسبة تأييد متدنية، ولاحقاً أُدين في محاكمة عزله الثانية من قبل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ (بعضهم من حزبه)، ومازال يتخذ باستمرار مواقف يصعب على السياسيين في الحزب الدفاع عنها. في نهاية هذا الأسبوع فقط، هاجم ترامب فريق كرة القدم للسيدات في الولايات المتحدة باعتباره مجموعة من الفاشلين! هل هناك سياسي جمهوري سعيد حقاً بالدفاع عن مثل هذه التصريحات والمواقف من جانب ترامب؟

وكما ذكرت جانيت هوكس في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، يتدخل ترامب بنشاط في عدد من سباقات الترشيح لعام 2022، وغالباً ما يختار السياسيين الذين يعتبر استراتيجيو الحزب أنهم مرشحون ضعفاء نسبياً، وفي بعض الحالات ضعفاء جداً، في الانتخابات العامة. ليس من الواضح مدى فعالية تأييد ترامب للمرشحين فيما يتعلق بالتأثير على الناخبين بشكل مباشر، لكن يبدو أنه مهم جداً، حيث يُقال إن المرشحين يتنافسون أو لا يتنافسون استجابةً لقرارات ترامب. ومن المذهل أن ازدياد قدرة حزب في الولايات المتحدة مسؤول عن قدر كبير من التأثير المحتمل لترامب.

خذ على سبيل المثال كيف تتدفق المعلومات في السياسة الأميركية. في القرن الـ19، هيمنت الصحف التي يسيطر عليها الحزب، لكن في القرن العشرين تم استبدالها بوسائل إعلام جماهيرية «محايدة»، محايدة ليس لأنها كانت غير منحازة (هناك دائماً تحيز في كيفية نقل الأخبار وتقديمها)، ولكن لأنه من أقوى التحيزات في هذا الإعلام هو الحياد الواضح بين الأحزاب السياسية، إلى جانب تشجيع أسلوب عُرف بأنه ليس له موقف من مسائل السياسة العامة. بلغ هذا النوع من وسائل الإعلام ذروته في العصر الذي كانت فيه ثلاث شبكات إذاعية وفروعها المحلية هي المصدر الرئيسي للأخبار السياسية. ومنذ حوالي 40 عاماً، شهدنا نمواً جديداً لوسائل الإعلام المتحالفة مع الحزب. اعتمد ترامب إلى حد كبير على القوة المتبقية لوسائل الإعلام المحايدة للاستحواذ على ترشيح الحزب الجمهوري في عام 2016، ولكن منذ ذلك الحين استمر من خلال ولاء (أو ربما تلاقي مصالح) لوسائل الإعلام الموالية للحزب. من دون قناة فوكس نيوز، والإذاعة الحوارية المحافظة، والروابط المحافظة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبقية وسائل الإعلام المتحالفة مع الجمهوريين.. من غير المرجح أن يعرف الناخبون الجمهوريون نزوات ترامب المختلفة، ناهيك عن اعتبارها مواقف جمهورية شبه رسمية. ونفس الشيء تقريباً ينطبق في جميع المجالات. يخاف السياسيون الجمهوريون من ترامب لأن الكثير من الموارد المهمة بالنسبة لهم تخضع لسيطرة شبكة الحزب الجمهوري الوطنية.

وفي وقت من الأوقات، كانت الأحزاب المحلية مهمة للغاية، ويمكن للأحزاب المحلية في الغالب أن تفعل ما تريد، لم تكن هناك أحزاب وطنية يمكن الحديث عنها. عندما مرت الأحزاب المحلية بفترة ضعف خلال القرن العشرين، لاسيما في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، تم تمكين السياسيين الأفراد مؤقتاً، حيث كان يمكنهم الحصول بشكل شخصي على الموارد الضرورية لإعادة انتخابهم والتحكم فيها. لكن على مدى العقود العديدة الماضية، أخذت الشبكات الحزبية المحلية، وخاصة الوطنية، زمام المبادرة، وتعلمت كيفية جمع الأموال (والخبرة) وتوجيهها إلى المرشحين الذين يفضلونها. وهكذا جاءت سلسلة ترشيحات الحزب الديمقراطي للرئاسة فيما يتعلق بالمرشحين المفضلين للحزب بعد جيمي كارتر، وبالتالي تزايد قدرة الأحزاب، كما وجد علماء السياسة، على التأثير على ترشيحات الكونجرس.

ويمكن للمرء أيضاً أن يدعي أنه أثناء توليه منصبه، كان ترامب قادراً على تعزيز أجندة الحزب التقليدية على وجه التحديد بسبب نمو شبكات الحكم الحزبية، والتي أصبحت أكثر أهمية على مدار العقود العديدة الماضية، جزئياً على حساب خبرة محايدة في الحكومة. من دون هؤلاء المهنيين الحاكمين، كان من الممكن التغلب بسهولة على ترامب ومجموعته الصغيرة من الموالين الشخصيين من قبل بيروقراطية الفرع التنفيذي والكونجرس. صحيح أن ترامب لم يتّبع دائماً السياسة السابقة للحزب، ولكن في كل حالة تقريباً كان ذلك لأنه رفع فصائل الأقليات داخل الحزب من خلال خياراته الشخصية، ولم يكن واضحاً على الإطلاق أنه أدرك بأنه كان يفعل ذلك وكان يقوم بخيارات سياسية متعمدة، بدلاً من مجرد توظيف الأشخاص الأفضل لإرضائه.

ما فعله ترامب إذن هو اختطاف تلك الموارد واستخدامها لأغراضه الخاصة، مع عدم استعداد الجهات الفاعلة في الحزب للمخاطرة بالقتال لاستعادتها. وسلاح ترامب الحقيقي الوحيد في هذه المعركة هو أن القادة الجمهوريين الآخرين يدركون أنه ليس لديه ولاء للحزب على الإطلاق، وبالتالي فإن محاولة استعادة هذه الموارد تخاطر بأن تجعله يقلل من شأن الحزب. ربما هذا يكفي، وربما بمجرد فشلهم في حسم الأمر في شتاء 2015-2016، يكونوا قد وضعوا أنفسهم على طريق لا يمكنهم الهروب منه.

ومن المحتمل أن يكون الخلل الوظيفي للجمهوريين قد تركهم تحت رحمة مجموعة من القادة غير القادرين على القيام بمهمة البحث عن مصالح الحزب. بمعنى آخر، ربما لا تكون المشكلة في ضعف الأحزاب السياسية، ولكن بالأحرى في قادة الحزب الجمهوري الضعفاء. لكن النقطة هنا هي أن الحزب، على الرغم من معاركه الداخلية التي تدفعه بطرق غريبة ومدمرة للذات، يحتفظ بقدرة أكبر بكثير مما كان عليه الحال قبل 40 عاماً، وعلى المستوى الوطني، أكثر بكثير مما كان عليه في أي وقت مضى في تاريخ الولايات المتحدة. بعبارة أخرى، فإن ترامب مؤثر على وجه التحديد لأن كلا الحزبين السياسيين صنعوا لأنفسهم أسلحة قوية، ولأن الجمهوريين ارتكبوا حماقة تسليم أسلحتهم إلى أكثر شخص غير مسؤول يمكن أن يجدوه.

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»