أمضى العلماء في «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ»، وهي مجموعة عالمية تدعمها الأمم المتحدة، الأسبوعين الماضيين في اجتماعات لإعداد أحدث تقييم لهم للعلوم الفيزيائية التي يعتمد عليها التغير المناخي في الماضي والحاضر والمستقبل.

وبالرغم من أن التكاليف الباهظة لمثل هذا العالم واضحة للغاية، إلا أنه لا يزال من الصعب حسابها. هذا هو الجانب المهم من اقتصاديات المناخ: حساب الأضرار المناخية بالدولار والسنت. والأمر المعقد أن هذه الأرقام تُترجم إلى مقدار تكلفة كل طن من ثاني أكسيد الكربون على المجتمع، وبالتالي، التكلفة التي يجب أن يسددها من يتسببون في التلويث.

سنوات طويلة نحتاجها لتقييم التداعيات، مع جهود 234 باحثاً من جميع أنحاء العالم، يعملون من خلال أكثر من 14000 دراسة، مع التفكير في النواحي الاقتصادية، وهذا يعني وجود فجوة بين أحدث التغييرات المناخية المرصودة والحساب الكامل لتأثيراتها. تقول «نعومي أوريسكس»، مؤرخة متخصصة في العلوم بجامعة هارفارد: «أعتقد أنه من الواضح الآن أن الاقتصاديين قد قللوا من تكاليف التغير المناخي». يوجد الآن الكثير من الانتقادات الموجهة ضد اقتصاديات المناخ: وقد يكون منح أول جائزة نوبل على الإطلاق في اقتصاديات المناخ «يمثل ضرراً أكثر منه نفعاً»، وربما يدعو لأن يخضع الاقتصاد «لثورة مناخية».

يحتاج النظام إلى تغيير، ويجب أن أعرف ذلك: فأنا خبير في اقتصاد المناخ، وشاركت في هذه الانتقادات. نعم، العديد من هذه الانتقادات تعكس الذات، وتأتي من الداخل. إن الانتقاد سهل بالطبع، والإشارة إلى الأسباب التي تجعل الاقتصاديين يقللون عادة من التكاليف المناخية، ثم تحسين مواطن الضعف تلك، هو أمر أصعب بكثير. أحد الأسباب هو الصعوبة الموضوعية في حساب التكاليف. وحساب هذه التكاليف «من أسفل إلى أعلى»، لموجة حر أو إعصار واحد، هو مهمة صعبة للغاية. وقد أدى ذلك إلى قيام اقتصاديي المناخ بوضع افتراضات بطولية في كثير من الأحيان تسمح لهم بتقدير الأضرار المناخية «من أعلى إلى أسفل» مع تقديرات تخمينية لكيفية تأثير الأضرار المناخية على الاقتصاد.

هذه هي الطريقة التي نحسب بها الأضرار الاقتصادية الإجمالية لكل درجة من متوسط الاحترار العالمي. ليس من المستغرب أن مثل هذه الممارسة تفتقد إلى الكثير من التفاصيل. ومع ذلك، لم يتضح بعد أن هذه العملية التنازلية (حساب التكاليف من أعلى إلى أسفل) ستؤدي بالضرورة إلى التقليل من التقدير. ربما تكون اقتصاديات المناخ، كنظام، قد تجمعت بشكل تدريجي حول افتراضات أكثر عدوانية، والتي ينتهي بها الأمر إلى المبالغة في تقدير التكاليف المناخية. لاستخلاص المزيد من الأفكار حول هذا السؤال، راجعت كتاب أوريسكس «لماذا تثق في العلم»، والذي يركز على علم المناخ الفيزيائي، كما راجعت الكاتبة بشأن اقتصاديات المناخ على وجه التحديد. ترى أوريسكس أوجه تشابه بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية.

وكتبت تقول: «قد يكون هذا، جزئياً، مثالاً آخر على ما قمت أنا وزملائي بتوثيقه في علم المناخ الفيزيائي: الميل إلى التقليل من معدل وحجم التغير المناخي». وترى «أوريسكس» أن هذا الاتجاه جزء كبير من الحمض النووي للعلماء: «إن المفهوم العلمي للعقلانية في مواجهة العاطفة يقود العديد من العلماء إلى الشعور بأنه من المهم بالنسبة لهم أن يتسموا بالرصانة والنزاهة، والمحافظة والابتعاد عن العاطفة. وغالباً ما يؤدي هذا إلى عدم ارتياحهم إلى النتائج المؤثرة، حتى عندما تكون صحيحة».

قد يكون لاقتصاديات المناخ عاملان آخران يلعبان دوراً. ناقشت «أوريسكس» أحد هذين العاملين في مقال شاركت في كتابته مع اللورد نيكولاس ستيرن: من المحتمل أن تكون تأثيرات المناخ متتالية، وقد يفتقر الاقتصاديون إلى الأدوات اللازمة للتعامل بشكل خاص مع هذه التأثيرات المتتالية. فالاقتصاديون معتادون على التجزئة. ومعالجة مشكلة واحدة في كل مرة له مزاياه الواضحة، ولكن التفكير بشكل هامشي غير كافٍ لمشكلة تمس كل جانب من جوانب المجتمع. والسبب الثاني الذي حددته أوريسكس يتعلق أكثر بالتوجه العام لمجال الاقتصاد. فقد قالت إنه «يميل إلى الإفراط في الثقة بشأن قوة الأسواق، ويتردد في الاعتراف بفشل الأسواق على نطاق واسع». كما يتحدث عن كيفية تدريس علم الاقتصاد، حيث يتم التأكيد على قوى السوق، مع الوصف التفصيلي لكيفية عملها. فهناك حالات قليلة جداً تفشل فيها هذه القوى، على رأسها الاحتباس الحراري. بالطبع، لن يكون كل رقم يتوصل إليه اقتصاديو المناخ، أو كل إعلان عن سياسة، متحفظاً، لكن من المهم التعرف على التأخيرات والتحيزات المتأصلة في المؤسسة العلمية ككل. تؤدي نفس الأسباب التي تجعلنا نثق في علم المناخ بشكل عام إلى جعل تقارير« الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» متحفظة بطبيعتها في تقييمها العام –والأسباب التي جعلت اقتصاديات المناخ تتخلف عن الركب في توصياتها المتعلقة بالسياسات.

*أستاذ في جامعة نيويورك

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»