اتخذت نيوزيلندا القرار الصائب حين أرجأت زيادةً كانت مرتقبة على نطاق واسع في معدل الفائدة. ويجدر بالبنك المركزي الآن مقاومة إغراء الإرجاء بشهر أو شهرين فقط. فربما بلغ التعافي الاقتصادي العالمي أوجه، والسلطات النقدية الأهم في العالم تكره التفكير في التشديد قبل عام على الأقل. غير أن هذا ليس الوقت المناسب لأن تكون نيوزيلندا السباقة إلى رفع معدل الفائدة. 
«بنك نيوزيلندا الاحتياطي» أبقى على معدله المرجعي عند 0,25٪، الأربعاء الماضي، بعد أن أدى إغلاقٌ وطني، أُعلن بسبب حالة إصابة واحدة ب«كوفيد- 19»، إلى إضفاء مسحة درامية على قرار كان يعتقد كثير من الاقتصاديين من قبل أنه بات في حكم المؤكد. وإذا كان البلد قد ظل خالياً من «كوفيد- 19» لشهور، فإن مسؤولين أكدوا سبع إصابات خلال اليومين السابقين. وكان هذا التحول كافياً لكي يبدي «بنك نيوزيلندا الاحتياطي» تردداً.
والواقع أنه من الواضح أن محافظ البنك المركزي «أدريان أور» ما زال يرغب في الرفع. وكما قال البنك في بيان صادر عنه، فإن الموقف السياسي الذي ينطوي على «أقل قدر من الندم» يشمل تقليصاً أكبر للتحفيز النقدي من أجل الإبقاء على التضخم تحت السيطرة ودعم التشغيل. «غير أن مسؤولين وافقوا على الإبقاء على (المعدل) دون تغيير في هذا الاجتماع بالنظر إلى حالة عدم اليقين الشديدة للبلد في حالة الإغلاق». وتُظهر التوقعات التي نشرها البنك المركزي تصاعد المعدل الرسمي مرة واحدة على الأقل في وقت لاحق من هذه السنة.
والواقع أن الاقتصاد النيوزيلندي في حالة جيدة عموماً مثلما تُظهر عدة مؤشرات اقتصادية. لكن هذه الصورة الداخلية الوردية تبقى مهدَّدةً بسبب متحور دلتا، الذي كانت له تداعيات كبيرة على أجزاء مهمة من آسيا. فبعد توسع سريع في مستهل هذا العام، تباطأ الانتعاش الاقتصادي في الصين. وفي أستراليا المجاورة، من المحتمل أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا الربع. وعلاوة على ذلك، سجلت الأسهم الأميركية، الثلاثاء الماضي، أكبر تراجع منذ شهر وسط مخاوف من أن يفقد التعافي الاقتصادي العالمي الزخم، مع مزيد من الإغلاقات لاحتواء عودة ظهور فيروس كورونا. ولا شك في أن نيوزيلندا ستواجه مشاكل في انتشال نفسها من هذه الخلفية. 
كما أن التاريخ غير مشجِّع أيضاً، فـ«بنك نيوزيلندا الاحتياطي» يميل إلى رفع المعدلات في وقت تتحلى فيه بقية بلدان العالم بالحذر الشديد. وإذا كان هذا الأمر قد أضحى مدعاةَ فخر واعتزاز محلياً، فإنه لم يكن ينتهي دائماً نهايةً سعيدة. وعلى سبيل المثال، فعندما بدأ البنك المركزي في رفع المعدلات في عام 2014، فإنه فعل ذلك بتسرّع كبير. فآنذاك، كان «الاحتياطي الفدرالي الأميركي» قد بدأ للتو في خفض تدريجي لـ«التيسير الكمي»، في حين كان البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا يُبقِيان على سعر النقود منخفضاً جداً. 
وحظيت المقاربة النيوزيلندية بالإشادة، باعتبارها مؤشراً على البراعة في صنع السياسات وأدائها. لكن بعد عام على ذلك، اضطر مسؤولون للعدول عنها، وبدأت المعدلات في الانخفاض، مثلما أشار إلى ذلك الاقتصادي جيمس ماكإنتاير من خدمة بلومبيرج. وأُعزي التراجع وقتئذ إلى انخفاض التضخم، الذي كان يعكس ظاهرة عالمية وصفتها رئيسة «الاحتياطي الفدرالي الأميركي»، جانيت يلين، حينئذ بـ«اللغز». أما هذه الأيام، فيميل رؤساء البنوك المركزية إلى وصف الارتفاع في التضخم بـ«العابر». وقد يكونون على حق، وهو ما يجعل أي وتيرة لزيادة المعدلات أسرع مما ينبغي. 
وخلاصة القول هي أنه يجدر بنيوزيلندا دراسة الصورة العالمية بحذر خلال الأشهر القليلة المقبلة. ولا شك أن بنكها المركزي قد اتخذ القرار الصائب يوم الأربعاء. غير أنه بدلاً من أن يشكّل هذا الإرجاء درساً للعالم، ينبغي على المسؤولين استخلاص الدروس اللازمة من القوى الأكبر. ولا شك في أن هناك الكثير من الوقت من أجل تصحيح الأمر. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»