تداعيات كبيرة ومتسارعة في المشهد السياسي الأفغاني تبعتها -بالطبع- تداعيات في المشهد الاجتماعي منذ اتفاق الانسحاب الأميركي الذي أبرمته الولايات المتحدة مع حركة «طالبان» وليس مع حكومة أشرف غني التي ظلت تدير البلاد رسمياً حتى مطلع الأسبوع الجاري. وهذا هو البعد الأهم والأخطر في العملية التي باتت محط تساؤل وموضع استغراب.

ففي عام 2001، وبعد أسابيع فقط على تفجيرات 11 سبتمبر من نفس العام، شنت أميركا بالتحالف مع «الناتو» حرباً ضروساً لاجتثاث «طالبان» و«القاعدة»، وانسحبت اليوم وهي تسلم «طالبان» كل ما سلبته منها سابقاً! منذ عهد الرئيس أوباما وأميركا تحاول الخروج من مأزق أفغانستان خروجاً مشرِّفاً، بعد خسائر بشرية تجاوزت 2500 قتيل و20 ألف جريح واستنزاف دام عشرين عاماً وإنفاق ما يقارب التريليون دولار، ما بين إدارة الحرب والإعمار وتدريب القوات الحكومية.. لتستفيق واشنطن اليوم على حقيقة أنها كانت حارس الحدود لقوى إقليمية ودولية تنازعها وتنافسها على أرض الواقع. فالصين وروسيا وإيران وباكستان والهند، جميعها كانت طوال هذه المدة آمنة على حدودها بفضل التواجد الأميركي في أفغانستان، والذي مثّل العامل الأكبر في الحد من خطر الجماعات المسلحة في أفغانستان.

ووفق الاتفاقيات التي أُبرمت بين حركة «طالبان» والولايات المتحدة، فقد تعهدت الحركة بأنها لن تشكل مصدر تهديد للمصالح الأميركية، وهذه أهم ضمانة كسبها الأميركيون وربما عجّلت بانسحابهم دون الحرص على خروج تكتيكي يضمن ملء الفراغ وتجنيب أفغانستان مغبة حروب أهلية أو انهيارات وفوضى وفرار كما نشهد اليوم. وهذا بالطبع غير كاف لإقناعنا بأن أميركا أدركت أهمية مصالحها بين عشية وضحاها، كما لا يفسر تقدم قوات «طالبان» المتسارع من منطقة لأخرى ومن مدينة إلى مدينة حتى حطت رحالها أخيراً في القصر الرئاسي في العاصمة كابل دون إطلاق رصاصة واحدة ودون حدوث اشتباكات مع الجيش الأفغاني أو الجيش الأميركي، ناهيكم عن مخازن الأسلحة الكبيرة والعتاد العسكري المتقدم الذي خلّفته القوات الأميركية وتركته في طريق قوات «طالبان».

التقدم الجغرافي لقوات «طالبان» ليس نجاحاً عسكرياً خالصاً بأي حال، بل خطة تم رسمها وتنفيذها دون مقاومة، مع ضمانات لخروج آمن للحكومة وحلفاء أميركا وموظفيها، وهذا ما حدث بالفعل. قد تكون حركة «طالبان»، وهي سلطة الأمر الواقع اليوم، هي ذاتها «طالبان» ما قبل أحداث سبتمبر، أعني عقائدياً على الأقل، لكن بلا شك فإن هذه السنوات العشرين التي مرت على الحركة وكوادرها جعلتها تتغير وربما أكثر تقديراً للأمور ولما يتعلق بالحكم. لكن المفاجآت لم تنته بعد ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث إلا بعد أن تمارس «طالبان» الحكم وتطبق سياستها فعلياً على أرض الواقع. وبدون ذلك ستظل هناك علامات استفهام كبيرة حول الانسحاب الأميركي، وما تم قبله في غرف المفاوضات المغلقة. وهناك عالم بأسره ينتظر ما سيحل بهذه البقعة الجغرافية، خصوصاً أن «طالبان» لم تبد نيةً للشراكة السياسية مع فصائل سياسية وزعماء حرب مهمين.. فكثير من هؤلاء لم تنته أدوارهم وطموحاتهم للمشاركة السياسية.

وتجاهلٌ مثل هذا لا يشي بمستقبل مزدهر للسياسة في أفغانستان، وهذا فضلاً عن الممارسات الاجتماعية والدينية التي يتوقع أن تبدأ «طالبان» بفرضها قسراً على المجتمع والمرأة خاصة، مثل أحكام الجلد وفرض الحجاب وطمس الصور على واجهات المتاجر ودور السينما وإغلاق صالونات الزينة وأماكن الترفيه وغيرها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل أصبحت أفغانستان على موعد مع مرحلة من الخطر المحدق من خلال النظرية العشوائية (butterfly effect)، أم هي على موعد مع مرحلة سياسية تم إعدادها بإحكام؟ نأمل أن يكون الاستقرار حليف الشعب الأفغاني!

*كاتبة سعودية