الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبد الإله الشاهدي.. سريالية تفاصيل اليد

عبد الإله الشاهدي.. سريالية تفاصيل اليد
19 أغسطس 2021 01:13

عز الدين بوركة

تطويع اليد:
«صنيعة اليد»، و«طوع اليد».. تعابير ضمن أخرى متداولة بشكل كبير في عالم الفن التشكيلي، تستحضر اليد في طياتها وصياغاتها الدلالية، لتحيلنا على دور هذا العضو العلوي، الرئيس، في العملية الإبداعية: عملية «خلق» الأعمال الفنية. ولقد فطِن الإنسان منذ القِدم إلى دور اليد في التعبير الفني عما يريد تبليغه وتخليده، ولهذا عمد إلى ترك بصمة يده معلقة على جدران الكهوف، سواء أكانت ممتلئة بالصباغة أم فارغة.. لقد أدرك أداتيتها ونفعيتها.. لتغدو أداة ووسيلة أو بتعبير أرسطو «أداة الأدوات»! ولهذا اتخذها فنانون موضوعاً لأعمالهم أو علامة ودلالة لإشارات مرموزة ذات معانٍ دفينة على المتلقي التقاطها وقراءتها.
وأن ترسم اليد وتركز على تقاسيمها المدهشة والصعبة، فأنت بالتالي تشتغل ضمن فن التفاصيل محاولاً تطويع اليد، تُخرجها من كونها أداة -مُطَوِّعة- تستعملها لرسم مواضيعك، لتجعلها هي الموضوع الذي يكتنز دلالات ومعاني متعددة، وتغدو علامة كبرى... هذا إن لم نقل إنها تصير «أيقونة». ومن هذا المنطلق يشتغل التشكيلي المغربي عبدالإله الشاهدي على آخر أعماله، سلسلة صباغية تتخذ اليد تفصيلاً وموضوعاً لها.. ولكن لماذا اليد بالتحديد؟

إبداع التفاصيل:
يكمن الجواب في أبعاد كثيرة، أولاً، أن أي فنان يسعى إلى تحدي التفاصيل والتغلب عليها.. وثانياً، لأن عبدالإله الشاهدي فنان «مهووس» بالتفاصيل: الطيور، الوجوه، العيون، الأيادي.. فمن خلال التفصيل يمكن أن نستنتج الكل.. وهذا الكل متعدد ولامتناهي التأويلات، لأنه غير مكشوف عنه وغير واضح ومُبهم، كامن في المخيلة، ما يُدخل العمل في نوع من الالتقاء والتقاطع مع المتلقي، الذي يغدو صانعاً له ليس فقط قارئاً/ رائياً... نوع من المتلقي الضمني إن أردنا القول.. وبينما يهتم الناظر بالكل، فالفنان، والحال هنا الشاهدي، يهتم بالمنفلت وغير المدرَك، ليضعه في إطار تقريبي وتضخيمي.. لإبرازه والكشف عنه.

اليد والعالم:
إن اختيار الشاهدي لليد نابع بالضرورة من تلك العلاقة التي تربطنا بهذا العضو من الجسم، الذي به نتعرف على العالم ونطوّع الأشياء.. بل إنه العضو الذي نبصره ونراه أكثر في جسمنا، صلة وصل بيننا وبين العالم. ولهذا يقدم لنا الشاهدي العالم مصغراً في تفاصيل اليد، عبر مشاهد سريالية غنية بالإدهاش وبغير المسبوق... بالإضافة للدلالة المفتوحة على كل القراءات والاحتمالات. إذ تتيح لنا التفاصيل الفرصة لاستكشاف العوالم الدقيقة، والإعلاء من شأن المنسي والمهمل، يقدم لنا جرعة غير مسبوقة من النظر، يفتح أعيننا على «غير المرئي» وإن كنا نظر إليه باستمرار.
لننظر إلى عمله الفني «رعاية إلهية» (2021)، حيث يضعنا هذا الفنان إزاء عمل يتخذ إطاراً مُكبّراً، ليركز النظر على يديْن في وضع أفقي، السفلى لامرأة والعليا لرجل. وبينما ينبع من أصابع الأولى أطفال رضع، فالثانية تعمد إلى حماية هؤلاء الرضع من الأخطار: الأمطار، البرق... نوع من الرعاية التي يمنحها الآباء لأطفالهم والحنان والحياة التي تقدمها الأمهات لهم. وكم يركز الشاهدي على تفصيلة الحياة النابعة من اليد، كما هو الحال في لوحته «بعث» (2021)، ودائماً عبر إطار مكبر، حيث تنبع نبتة مخضرّة من يد اكتسحها الجفاف الحاد، وفي الخلف نلحظ عصفوراً -دورياً- مشدوداً بالحبال المربوطة في اليد. وفي لوحة أخرى، هذه المرة اختار لها إطاراً تصويرياً عاماً، و«نبع الحياة» (2021) عنواناً.. يجعلنا فيها الفنان ننظر إلى مشهد خرائبي، حيث نستشعر العالم وقد تحول إلى يباب ودمار، إلا أن يداً ما متصلة بالأرض، وبجذور شجرة على هيئة امرأة شابة يائسة ويابسة، تنبع منها نباتات خضراء ويضع الدوري عشه في وسط الكف وهو يحرس بيضه.. والشاهدي منبهر بهذا العصفور الذي لا يقدر أن يعيش إلا حراً خارج القفص! ولأن هذا الفنان يشتغل بعين سينمائي محترف لكن برؤية سريالية عجائبية، وفي اتصال مشهدي بلوحة «رعاية إلهية»، اشتغل على عمله «حضانة» (2021)، حيث تحتضن وتحمي يدا امرأة دورياً وسط عشه من مخاطر متعددة، حيث يبدو أنه يرعى فراخه -غير مرئية- ويحميها... لوحات أخرى تتصل فيما بينها عبر مشهدية سريالية وعجائبية، وتتصل في موضوع الرعاية والعودة إلى الحياة والتحرر والحرية.. وهذا الموضوع الأخير نلمسه حتى في أعماله التي تركز على تفصيلة العصفور الذي يطل في الغالب من نافذة أو يصارع حبالاً تشده وتأسره.. ينتظر يداً تفكّ أسره! وكلها مواضيع متعلقة باليد والعالم.

اليد والأسطورة:
تتصل السريالية بالأسطورة، إذ كل منهما مبنية على إعمال الخيال، وخلق مشاهد غير متوقعة وعامرة بالدلالات والمعاني الخفية... وهذا ما نقرؤه في أعمال عبدالإله الشاهدي، إذ تصير تلك الأيادي التي تحتضن الأطفال الرضع في لوحة «رعاية إلهية»، متصلة بأسطورة الخلق المصرية، حيث فصل الابن بين الأم-السماء، والأب-الأرض، يد الرجل ويد المرأة في اللوحة، لينشأ الهواء ومنه تنشأ الحياة، والحالة هنا أولئك الرضع!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©