بقيت أسابيع معدودة ليبدأ التلاميذ والطلاب فصولاً جديدة من الدراسة في المدارس والجامعات في ظروف ما زالت استثنائية في العديد من دول العالم بسبب تفشي فيروس كورونا، فالدول التي لم تنجح في تلقيح سكانها ستجد نفسها مضطرة لتبني خيار التعليم عن بُعد، لضرورة استمرار المناهج الدراسية المقررة وسد أي فجوة تعليمية قد تنتج عن تفاقم الأزمة. ورأينا منذ بداية أزمة كورونا كيف أن الدول لم تكن كلها على قدم المساواة فيما يتعلق باستراتيجيات التعلُّم عبر الإنترنت، فالبلدان متوسطة الدخل والأفقر لم تتصرف على النحو المناسب، وهو ما جعل انعدام تكافؤ الفرص يصل حداً مروعاً وغير مقبول. فالعديد من الأطفال لا يملكون مكتباً للدراسة ولا كتباً، فضلاً عن صعوبة اتصالهم بالإنترنت أو عدم امتلاكهم للحواسيب المحمولة في المنزل، بل هناك منهم من لا يجد أية مساندة من آبائهم على النحو المأمول، في حين يحظى آخرون بكل ما سبق. لذا يتعين على المنظومة الدولية تفادي اتساع هذه الفوارق في الفرص –أو تقليلها ما أمكنها إلى ذلك سبيلاً– وتجنب ازدياد الآثار السلبية على نوعية تعليم الأطفال الفقراء.
ولحسن الحظ فإننا نشهد في هذا الصدد قدراً كبيراً من الإبداع في العديد من البلدان. فالكثير من وزارات التعليم تفننت في الاعتماد على استراتيجيات بنّاءة وهادفة من خلال إتاحة التعليم عن بُعد للجميع وبدون استثناء. وتمثلت الاستراتيجية المناسبة لأكثرية البلدان في استخدام جميع الوسائل الممكنة التي توفرها البنية التحتية الحالية في إيصال الخدمة، فاستخدمت أدوات الإنترنت في إتاحة مخططات الدروس، ومقاطع الفيديو، والدروس التعليمية، وغيرها من الموارد، كما استعانت بالمدونات والتسجيلات الصوتية والموارد الأخرى التي تستهلك قدراً أقل من البيانات. كما أن العديد من دول العالم عملت مع شركات الاتصالات على تطبيق سياسات تعفي المستخدمين من الرسوم، لتيسير تنزيل مواد التعلُّم على الهواتف الذكية، التي يحملها أكثر الطلاب في الغالب. 
ونحن نستحضر هذه الحقائق، فإن هناك سؤالاً محورياً له علاقة بمستقبل جودة التعليم وبالأخص داخل الجامعات وفي مؤسسات التعليم العالي الأخرى.. هناك بالطبع وسيلة للتقليل من الفوارق بين الجودة والكمية في التعليم العالي، وهي القيام بدراسات قبْلية لمعرفة حاجيات السوق، وبالأخص في عالم ما بعد كورونا، ومن ثم وضع البرامج التعليمية الملائمة. لكن هل الجامعة مكان يتعلم فيه الطلاب طريقة التفكير أم مكان لاكتساب القدرات لولوج سوق الشغل بعد ذلك؟ إنه السؤال الفلسفي الأساسي الذي يطرح نفسه.. وهنا أيضاً، على الجامعة أن تحدد مسبقاً، وبوضوح، رؤيتها ومهمتها وأهدافها ومكوناتها.
منطقي أن نؤكد مرة أخرى أن الجامعات التي لا تتكيف وتقدم تكنولوجيا المعلومات والاتصال ستبقى عديمة الجدوى. ونحن نعلم أن النصف الثاني من القرن العشرين شهد ثورة الاتصال الخامسة، حيث يمكن تمييز تطور الاتصال من خلال خمس ثورات أساسية، تتمثل أولاها في تطور اللغة، وثانيتها في الكتابة، بينما اقترنت الثورة الثالثة باختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر على يد العالم الألماني غوتنبرغ، وبدأت معالم ثورة الاتصال الرابعة في القرن التاسع عشر من خلال اكتشاف الكهرباء والموجات الكهرومغناطيسية والتلغراف والهاتف والتصوير الضوئي والسينمائي، ثم ظهور الراديو والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين، أما ثورة الاتصال الخامسة فقد أتاحتها التكنولوجيا الرقمية في النصف الثاني من القرن العشرين من خلال اندماج ظاهرة تفجر المعلومات وتطور وسائل الاتصال وتعدد أساليبه.
ولقد زلزل تقدم تكنولوجيا المعلومة والاتصال مناهج التعليم والتعلم، حيث أصبح من الصعب على أستاذ الجامعات العصرية، غير الملم بالتقنيات الجديدة للتواصل أن يتماشى مع طلاب هم على دراية كبيرة بوسائل الإعلام الاجتماعية. وعلاوة على ذلك، فاللغة المهيمنة على مواقع الإنترنيت هي الانجليزية (57 في المائة)، متبوعةً بشكل بعيد باللغات الأخرى: الألمانية (6,5 في المائة)، والصينية (5 في المئة) والروسية واليابانية والإسبانية (4 في المائة لكل منها) وأخيراً الفرنسية بنسبة (3,9 في المائة). وهذه بعض التحديات الرئيسية التي تواجهها الجامعات، وتتمثل في إقامة أرضية تكنولوجية تمكن الطلاب والأساتذة من الوصول إلى المعارف المتوفرة والمجانية. وهكذا، يمكن للأساتذة التحرر من قيد إعادة خلق الدروس، وبالتالي استغلال وقتهم في تدريب الطلاب بدل إغراقهم بمعلومات متوفرة في الإنترنيت.

أكاديمي مغربي