عادت حركة «طالبان» لحكم أفغانستان، والمسألة مسألة وقتٍ ليتم الإعلان عن ذلك رسمياً، والصور المقاطع المصورة والخطابات الصادرة من طالبان جميعها تشهد بأن شيئاً لم يتغير في أيديولوجية هذه الحركة أو أساليبها، فنفس العنف والتطرف والاستهانة بالبشر وحياتهم ما تزال عناوين بارزة لا تخطئها العين.
بعد عشرين عاماً من تحالفٍ دوليٍ قادته الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ها هي تنسحب بشكل مثيرٍ للجدل، في سرعته وتعجّله، وهو انسحاب يبدو وكأنه فرار خائفٍ من معركة كانت توصف بأنها الحاسمة ثم تلاشت شيئاً فشيئاً، حتى حدث الانسحاب الذي هو أقرب للهزيمة.
الانسحاب المتعجل ترك خلفه أسلحةً متقدمةً وآلياتٍ حديثةً، بعضها لم يتم فتحه ولا استخدامه بعد، ومقاطع استيلاء عناصر «طالبان» عليها تملأ الفضاء، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ويذّكر بما جرى في مدينة الموصل العراقية، حين استولى عليها «تنظيم داعش»، وأخذ كل السلاح والعتاد الأميركي المتقدم، ثم عاث في العراق وسوريا فساداً وتحركت خلاياه في كل العالم.
الحديث عما جرى في أفغانستان خلال عقدين من الزمان متشعبٌ جداً وطويلٌ، ولكن يكفي أن يستحضر القارئ أن شيئاً من الوعود التي أطلقت لم يتحقق، وقصة «تصدير الديمقراطية»، التي تغنت بها أميركا كثيراً من «صناديق الاقتراع» الشفافة التي كانت تنقلها الحيوانات لأعالي جبال أفغانستان إلى «حقوق المرأة» التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام، إنما كانت للتصوير والدعاية لا للتأثير الفعلي، وهي مهمة لكي يشاهدها الناخب الأميركي.
هذا مما جرى، ولكن الأهم هو ما سيجري مستقبلاً، وتكفي الإشارة السريعة هنا إلى أمورٍ ثلاثةٍ ستحدث ولكل منها تبعاتٌ وتأثيرات بحاجة للرصد والمتابعة والتحليل، وهي انتعاش الإرهاب وانتعاش تجارة المخدرات والدفعة التي ستزيد قوة الأيديولوجيا المتطرفة.
انتعاش الإرهاب، سيكون جزءاً مهماً مما يسميه كاتب هذه السطور منذ سنواتٍ بـ «الزمن الأصولي» ليس في أفغانستان فحسب، بل طول العالم الإسلامي وعرضه، وستصبح أفغانستان مجدداً ملاذاً آمناً لكل الأصوليين والإرهابيين من «جماعة الإخوان» إلى «تنظيم القاعدة»، وسينتعش التحالف بين الأصوليتين السنية والشيعية ما ينذر بسنواتٍ عجافٍ.
انتعاش تجارة المخدرات بوصفها سلاحاً في حروب السياسة والاقتصاد سيكون مما سيجري قريباً عبر طريقٍ واسعٍ يمتد من جبال الهندوكوش في أفغانستان إلى سواحل لبنان على البحر الأبيض المتوسط، مروراً بكل المنطقة ما بين النقطتين.
«الثورة» الروحية التي ستجري ضمن صفوف الأصوليين والإرهابيين ستكون خطيرة وواسعة وستعود مفاهيم ظنّ المستعجلون أنها انتهت، «الحق والباطل» و«انتصار الإسلام» و«العزة» و«الكرامة» و«استعلاء المؤمن» وغيرها الكثير ستعود للتداول، وسيتم تسويق «النصر» الإلهي وهزيمة «الحملة الصليبية» ضد الإسلام، وليس هذا من باب التنبؤ، ولكنها طبيعة التاريخ والبشر.
على دول العالمين العربي والإسلامي أن تتهيأ للأسوأ في المستقبل القريب، وأي تهاونٍ مع جماعات الإسلام السياسي وتنظيماتها وأنشطتها وخطابها وأيديولوجيتها ستكون عواقبه وخيمة، وستصبح وسائل التواصل الاجتماعي مرتعاً خصباً للتحريض والتحشيد والتجنيد، وستنشأ آلياتٍ جديدةٍ لجمع الأموال وبناء التنظيمات وستعود «رموزٌ» و«شخصيات» أصولية للمشهد من جديد.
قراءة الحاضر بعناية وفحص معطياته بدقة، تمنح الإنسان قدرةً على توقع مآلاته في المستقبل القريب والبعيد بدافع المعرفة والتحليل والاستعداد، لا بدافع التشاؤم أو السوداوية.
مهمٌ أن يتمّ وضع النقاط على الحروف في هذه المرحلة وتحميل الأطراف الدولية مسؤولياتها عن النتائج مستقبلاً، لأنه سيتم استهداف بعض الدول العربية والإسلامية في حال عاد «الإرهاب» لتحريك أعضائه وأدواته في عرض العالم وطوله.
أخيراً، فللأسف كان على الشعب الأفغاني المغلوب على أمره لعقودٍ الاختيار بين «نخبةٍ فاسدةٍ» و«حركة متطرفة»؛ أي بين السيئ والأسوأ.
كاتب سعودي