في الوقت الذي يستعد فيه لبنان لتنفيذ اتفاقه مع العراق للحصول على «الفيول أويل» لتأمين توليد الكهرباء وإنقاذ اللبنانيين من «العتمة» التي يعانونها يومياً، أبلغ المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، محمود محيي الدين، خلال زيارته الأخيرة لبيروت، رئيسَ حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن الأردن تمكّن من الحصول على موافقة أميركية لاستثناء الغاز المصري من قانون قيصر، بما يسمح عملياً بمروره عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، من دون التعرض للعقوبات.

وقانون «قيصر» الأميركي، يتميز بأنه لا يفرض العقوبات فقط على الحكومة السورية، بل يعاقب بشكل مباشر ومحكم كل مَن يتعامل معها من الدول والكيانات، مهما كان نوعها. وعلى الرغم من أن المسؤولين اللبنانيين يؤكدون حاجة لبنان إلى الغاز، للتخلص من استنزاف الدولارات في شراء «الفيول»، خصوصاً أن الدراسات أكدت أنه يوفر أكثر من مليار دولار سنوياً، ما يخفض العجز المالي المزمن لمؤسسة الكهرباء، والذي قدّر تراكمه بنحو 47 مليار دولار. وقد ساهم في ارتفاع حجم الدين العام إلى أكثر من 100 مليار دولار.

وكان هذا التطور السلبي الكبير، وما يزال، موضع انتقاد عارم من خبراء صندوق النقد الذين طالبوا بضرورة إعطائه أولوية قصوى في الإصلاحات المطلوبة، كشرط أساسي للموافقة على تقديم المساعدات الدولية للبنان. وقد سبق أن وقّع لبنان عقداً لمدة 15عاماً مع مصر لاستجرار الغاز عبر الخط العربي الذي نُفذ منذ نحو 20 عاماً، بعدما تم وصله بخط يربط حمص في سوريا بطرابلس في شمال لبنان. لكن فترة التنفيذ لم تستمر طويلا، إذ جمّد الجانب المصري الاتفاق. وقيل في حينها إن السبب يعود إلى أن الغاز المصري لم يعد كافياً لإشباع السوق المحلية. وما يواجهه اليوم لبنان وسوريا من أزمة كهربائية خانقة، كان مخططاً ألا تحدث، عبر إنشاء الخط العربي عام 2003 عندما تم تدشين المرحلة الأولى بين العريش المصرية والعقبة الأردنية، ثم استكمل داخل الأراضي السورية وصولا إلى طرابلس اللبنانية عام 2008.

لكن أحداث ما سمي «الربيع العربي» التي عصفت بالمنطقة أواخر عام 2010، أوقفت المشروع، بعدما تعرض الخط لسلسلة تفجيرات في العريش. أما اليوم فإن الظروف الاقتصادية تبدو مهيأة لإعادة استثمار الخط من جديد، إذ أصبحت مصر دولةً منتجةً ومصدِّرةً للغاز، وحاجة كل من الأردن وسوريا ولبنان إلى هذه المادة باتت كبيرة.

لكن يبدو أن تحقيق ذلك مرهون بتطورات تتصل بطبيعة العلاقات والمصالح السياسية بين دول المنطقة، والتي تتعرض من وقت لآخر لـ«توترات جيوسياسية» تعيق استعادة مرحلة استقرار سابقة كان لها الدور الأساسي في الاتفاق على المشروع وتنفيذه. وهذا الوضع ينطبق خصوصاً على العلاقات بين لبنان وسوريا. وعلى افتراض أن الموافقة الأميركية الاستثنائية مؤكدة، والوساطة الأردنية ناجحة، والحكومة المصرية مستعدة لضخ الغاز.. لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل يمكن مرور خط الغاز العربي عبر سوريا من دون اتفاق مسبق بين حكومات الدول الأربع؟ وهل يمكن أن يتجاوز لبنان سلسلة قضايا مشتركة معلقة مع سوريا، وهو يعاني من استنزاف مالي بالدولار جراء عمليات التهريب؟