الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: ماذا أسعَد خبير السعادة؟

د. شريف عرفة يكتب: ماذا أسعَد خبير السعادة؟
14 أغسطس 2021 03:00

كان موقفاً مهيباً بحق..
تخيّل محباً للكوميكس يحضر اجتماعاً للأفينجرز.. مراهقاً يجالس أبطاله الخارقين ويناقش مغامراتهم ويستمع لحواراتهم.. كان هذا شعوري بالضبط حينها.. لم يكن بطلي هو سوبر مان أو باتمان أو سبايدر مان، بل كان مارتن سليجمان!
حين زرت مؤسس علم النفس الإيجابي في مكتبه بجامعة بنسلفانيا، دعاني الرجل في لطف جم لحضور اجتماعه مع مؤسسة بريطانية تريد تطبيق علم النفس الإيجابي في التعليم.. دخلت أنجيلا داكوورث، الباحثة التي أعرف دراساتها جيداً، ولم أتوقع أن تكون حاضرة يومها.. لأحضر نقاشاً علمياً تتداخل فيه الأكاديميا مع التطبيق العملي من محراب نشأة هذا العلم ذاته في حضرة مؤسِّسه.. لقد كان يوماً سعيداً حقاً!
تلى الاجتماع دعوة لطيفة من سليجمان لتناول الغداء في منزله.. أثناء الطريق، تحدث عن عدة أمور تتعلق بكتابه الجديد وأحدث المستجدات في الساحة العلمية.. الأب الروحي يتكلم عن الكواليس، وعن الدراسات التي لم تنشر بعد.. قال كلاماً مهماً لم يغادر ذهني قط.. والتزمت بعدم نشر حرف منه، لأن الحوار كان خاصاً ولم يكن للنشر.
لكن، يبدو أن الوقت قد حان.. لأن الرجل كتب هذا الأمر في كتابه الأخير، ولم يعد سراً..
ماذا قال ويستحق مني كل هذه المقدمة؟
قال ببساطة:
- اكتشفت أني طوال السنوات الماضية، كنت على خطأ!
ألقى هذه القنبلة المدوية مبتسماً، وهو يتحدث عن أهم تجاربه الكلاسيكية التي يعرفها كل دارس لعلم النفس على كوكب الأرض.. تجربة «العجز المكتسب».. حين تتعرض حيوانات التجارب لصدمات كهربائية طفيفة في قفص، دون أي مهرب لها، فإنها تشعر بالعجز ولا تحاول الهرب لاحقاً حين يصبح المخرج متاحاً! لأنها أصيبت بـ «العجز المكتسب»، الذي يحدث للإنسان أيضاً بسبب تكرر الإحباطات، ومن ثم يراوده الإحساس بانعدام الحيلة، ما يورثه اليأس ويجعله أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.. ما الخطأ هنا؟ قال لي وقتها، إن «مايرز» أجرى دراسات حديثة على المخ، كشفت أن ظاهرة العجز هذه ليست مكتسبة، بل نشاط طبيعي يحدث في منطقة معينة في الفص الجبهي، لكن يتم تثبيطها بدائرة كهربية في المخ، تعطي الشعور بالأمل.. أي أن العجز ليس «مكتسباً»، كما أسموه، بل إن الأمل هو المكتسب!
لو أردت رأيي.. فإن الفارق - من منظور التنمية الذاتية - ليس كبيراً لدرجة الاعتراف بالخطأ.. فلن يضيرك - عند التطبيق العملي - كون الأمل هو المكتسب لا العجز.. في الحالتين ستركز على نجاحاتك الصغيرة لمغالبة الشعور بالإحباط.. لكنها الدقة العلمية يا صديقي.. بل إن تجارب «مايرز» هذه لم تكن لتصبح معروفة أصلاً، لولا أن أشهرها «سليجمان» نفسه وأخرجها من أروقة الأكاديميا لتصل للقارئ العادي.. بأن جعلها عنواناً رئيساً لكتابه الجديد «دائرة الأمل»!
زاد احترامي وتقديري لهذا الرجل، وما يمثله من قيم البحث العلمي.. فحين أتلفت حولي أرى من يعتبرون أنفسهم «علماء» رغم أنهم راكدون، لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن إثبات وجهة نظرهم السابقة، أو تأكيد الإنتاج البحثي لمن سلفهم.. مؤمنين أن على الجميع الخضوع لسلطتهم الفكرية الآسنة كتلاميذ مطيعين، باعتبار أن الخلاف معهم خلاف مع العلم ذاته!
يعترف سليجمان - بسعادة حقيقية تلمسها في نبرات صوته - أنه كان على خطأ.. سعيداً، لأنه عرف الحقيقة، لا لأنه فرض ما يعتقده على الآخرين.. معبراً عن الامتنان لكونه يعمل في مجال البحث العلمي، الذي تتطور فيه أساليب البحث والقياس، وتتوالى الأدلة الجديدة التي تطور من فهمنا للأمور..
لطالما ألهمني سليجمان بإسهاماته العلمية.
ومن أهمها الفرق بين عقلية العالِم الحقيقي.. وسدنة الجهل المقدس.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©