في الخامس والعشرين من يوليو 2021 قام الرئيس التونسي قيس سعيد باتخاذ خطوات جريئة وشجاعة تم بموجبها تعليق عمل البرلمان التونسي الذي يسيطر عليه «حزب النهضة»، أو ما يسمّى بـ «جبهة النهضة»، وهو الواجهة السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» في تونس.

وقد تم التعليق بطريقة شرعية، وفقاً للمادة 80 من الدستور التونسي التي تتيح لرئيس الجمهورية اتخاذ الخطوات اللازمة لإيقاف عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوماً إذا ما استشعر بوجود خلل في أدائه بما يهدد المصالح العليا للشعب وللدولة التونسية. وفيما يبدو من سير الأحداث وتطورها خلال الأشهر القليلة الماضية بأن الدولة التونسية كانت مهددة بالوقوع مرة أخرى في براثن «الإخوان» الذين يسيطرون على البرلمان، ويحاولون تجيير مساراته لكي تخدم مصالح جماعتهم ومصالحهم الشخصية في نهاية المطاف عن طريق سن القوانين والتشريعات التي تصب في تلك الاتجاهات بما يضر بمصالح الشعب التونسي والدولة التونسية، وتعزز من أركان الفساد في الدولة والمجتمع.

ما قام به الرئيس التونسي يعزز من هيبة الدولة التونسية ومؤسسة الرئاسة فيها من زاوية الحد من نشاط هذه الجماعة الفاسدة، وسعيها نحو الاستيلاء على السلطة والثروة في البلاد، وتكشف حقيقة الملفات التي تم الكشف عنها حتى الآن والأفراد الذين تم القبض عليهم والتحقيق معهم الواقع المرير الذي كان يمارسه «الإخوان» في تونس. نشاط «الإخوان» في تونس ليس جديداً، لكنه في بداية ظهوره كان ضعيفاً وخافتاً، ولم يؤثر على الحياة السياسية في مجملها، لكن مع نهاية عقد سبعينيات القرن العشرين قادت منظومة من العوامل الجديدة، كالمشاكل الاقتصادية الصعبة التي ضربت تونس، والمظاهرات المتزايدة التي خرجت إلى شوارعها؛ والتطورات الكارثية في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، والتي أعقبها تحرير سياسي محدود إلى أن تقوم التيارات الإسلامية المختلفة، ومن ضمنها «الإخوان» بإعادة تقييم أوضاعها. لقد أدت إعادة التقييم تلك، وانتقاد الذات الذي صاحبها إلى تفكك الحركة الإسلامية وإلى انشقاق مجموعة من المثقفين التقدميين عنها مشكلين حركة جديدة تحت مسمى «الحركة الإسلامية التقدمية» التي تزعمها صلاح الدين الجرشي وأحميدة النيفر عام 1980.

وفي نفس الوقت، قام تيار الأغلبية بالتمحور حول راشد الغنوشي وعبدالفتاح مورو، وتوصل إلى أنه عليه تبني الخيار الديمقراطي كما ادعى وقتها. وكتنظيم جديد تحت مسمى «حركة النهضة» أعلن مؤسسيه عن تأييدهم للديمقراطية والتعددية الحزبية من خلال ميثاقهم التأسيسي الذي نشروه في يونيو 1981.

وفي مؤتمر صحفي تم عقده أعلنوا بأنهم يشجبون جميع أشكال الاحتكار والوصاية على الإسلام وعلى الحقيقة والإرادة الشعبية الحرة، وهي صيغ رنانة يتم تكرارها المرة تلو الأخرى من قبل قياداتهم، لكنهم عندما وصلوا إلى السلطة وإلى البرلمان قاموا بممارسات على أرض الواقع هي بعكس ما كانوا ينادون به وهم في خارج السلطة. خلال عقد ثمانينيات القرن العشرين تمحور «الإخوان» حول تجمع عرف بحركة «الاتجاه الإسلامي» التي غيّرت اسمها لاحقاً في عام 1989 إلى «حزب النهضة»، ما أفصح عن أكثر الصور وضوحاً للقبول بالتعددية الحزبية كتكتيك لتحقيق أهداف استراتيجية أكثر بعداً وعمقاً.

وهنا التجربة التاريخية تبدو مهمة في تطور فكر وممارسة «الإخوان» في تونس ومسارهم في السعي نحو الوصول إلى السلطة، لكن قبل ذلك خاصة خلال السبعينيات كانوا يعيدون باقتناع، زاد أو قل، طروحات مفكري «الإخوان» كحسن البنا وسيد قطب. وفي سياق ذلك، قاموا بشجب المجتمع المعاصر، ووصفوه بأنه كافر يتجاهل الإسلام في أسلوب حياته وممارساته، أي أنه مجتمع جاهلي، ورفضوا كل ما هو غير الإسلام وأعلنوا بأن الحاكمية لله، ونادوا بإسقاط جميع الطغاة كما يدعون من سدة الحكم ونظروا إلى الديمقراطية والحزبية على أنها أفكار أجنبية دخيلة وغير إسلامية الأصل والمنشأ. لذلك فإنها يجب أن ترفض ويتم محاربتها. وللحديث صلة.

* كاتب إماراتي