على بعد أسابيع قليلة من أسوأ ذكرى سوف تحفظها الأجيال في عالمنا المعاصر، ذكرى الأحداث الإرهابية في نيويورك وواشنطن، في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، يتساءل المراقب للمشهد الأممي: هل أخفق العالم في مواجهة ظاهرة الإرهاب؟
أمران يدفعان في طريق البحث والتنقيب عن جواب شاف واف، الأول هو الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والثاني هو التقارير الاستخبارية المتواترة، عن عودة «الدواعش» مرة أخرى، بعد انكسارهم واندحارهم في سوريا والعراق.
بداية يمكن القطع بأن افغانستان، ومن قبل أربعة عقود كانت السبب الرئيس في ذيوع وشيوع جماعات الإسلام السياسي المسلح، تلك التي توارت وراء مفاهيم «الجهاد» هناك، ثم لم تلبث أن استدارت على العالم العربي والشرق الأوسط أول الأمر، إلى أن فعلت فعلتها المذمومة عبر جماعة «القاعدة» في الداخل الأميركي.
اليوم تبدو أفغانستان مرشحة، ومن جديد لتفجير موجة لا يعلم إلا الله وحده مداها أو منتهاها، وبخاصة بعد الانسحاب الأميركي المرتبك وغير المنطقي، والسيطرة القادمة لا محالة على كافة ربوع أفغانستان من قبل جماعة «طالبان».
كارثة ما يحدث الآن على الأراضي الأفغانية هو أنه يفتح الباب واسعاً لجولات جديدة لـ«القاعدة»، والأكثر هلعاً أنه يعطي مجالاً لـ«الدواعش» لأن يجدوا هناك موطئ قدم لإعادة ترتيب صفوفهم، وبلورة رؤاهم المستقبلية.
على أن عودة «الدواعش»، وفي حقيقة الأمر، غير مرتبطة ارتباطاً جذرياً بمآلات الأوضاع في أفغانستان، بقدر القصور الذي جرى في مجابهة التنظيم، وعليه يبقى التساؤل: أين جرت التطورات في المسار الخطأ، وهل هو لوجستي أم فكري؟
في أواخر يوليو المنصرم، صدر تقرير عن فريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة، والعامل في الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا والعراق، يستند إلى معلومات استخبارية تشير إلى أن الجماعة تطورت إلى تمرد راسخ، مستغلة نقاط الضعف في الأمن المحلي للعثور على ملاذات آمنة، واستهداف القوات المشاركة في عمليات مكافحة «داعش».
استطاع التنظيم، وعلى الرغم من كل الضربات التي تعرض لها من القيام بتغيير هيكليته، تلك التي كانت تعتمد على نظام الولايات، وقد تحولت اليوم إلى استراتيجية استنزاف جهود القوات العراقية على سبيل المثال عبر مفارز إرهابية مكونة من ثلاثة إلى خمسة عناصر، كما يستخدم هذه العمليات لأغراض إعلامية للتجنيد وإيجاد بيئة مجتمعية.
تحذير آخر مخيف صدر عن رئيس الاستخبارات الألمانية، «برونو كال»، خلال اللقاء الذي أجرته معه صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» الالمانية في الثاني عشر من الشهر الماضي، إذ قال:«إنه على الرغم من عدم وقوع هجمات إرهابية كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة، مثل الهجمات الدامية التي هزت البلدان الغربية قبل عقدين، الإ أن إرهاب جماعات الإسلام السياسي قد تطور، وكلف حياة الكثيرين من البشر، كما ازداد عدد الإرهابيين والخطر الذي يشكلونه». أين الإخفاق إذن؟ عبر عقدين من مكافحة الإرهاب، قامت الولايات المتحدة بهش الذباب بالمطارق، وفيما اهتمت واشنطن بتسخير القوة الخشنة لمجابهة العنف المنظم، نسيت أو تناست أن الإرهاب فكرة، وأن الأفكار لها أجنحة تطير بها، وفي العالم السيبراني ما أيسر انتقالها بسرعة البرق!.
هل من مراجعة جذرية؟
* كاتب مصري