لا شيء يجسد الانقسام السياسي الكبير في الولايات المتحدة أكثر من الخلافات المحرجة والسخيفة حول اللقاح. فقد أغوت استراتيجية «سياسة الأرض المحروقة» التي اتبعها دونالد ترامب ملايين الأميركيين بمغازلة الموت. والآن، هناك آلاف يتوقون إلى هذا الموت. ومنذ البداية تقريباً، قوبلت مساعي مكافحة الفيروس بالاستخفاف من الرئيس الذي شعر بأن الأزمة جعلته يبدو سيئاً، فقد تم التنكر للعلم، وأصبحنا نعيش في عالم تتم فيه السخرية من الكمامات، وتقديم اجتراع المنظفات كعلاج محتمل! وفي الوقت نفسه، كان هناك مرضى يعيشون بصعوبة على أجهزة التنفس الصناعي، وامتلأت المشارح بالجثث. والموت من الحقائق المطلقة في الحياة، لكنه قد لا يجعل المعاندين يتراجعون عن التشكيك في العلم. 
لكن فجأة حدثت المعجزة، ففي استجابة على هذا الفيروس المستشري الفتاك، طوّر العلماء لقاحات متعددة شديدة الفعالية وبسرعة مذهلة. فما حدث كان كما لو أن أدعية الناس قد استُجيب لها، فقد تم التوصل إلى إنتاج ترياق للوباء. وكان يجب أن نحتفل جميعاً في الشوارع وأن نهرع، مستبشرين بابتسامة على وجوهنا، للحصول على مصل إنقاذ الحياة. لكن لم يفعل عدد كاف من بيننا هذا، فقد سمم التحزب عقولَ الجمهور، وأصبح ارتداء الكمامات بياناً سياسياً، والتباعد الاجتماعي بياناً سياسياً، وتلقي اللقاح بياناً سياسياً.. عند عدد أكبر بكثير. ولذا استجاب عدد لا يحصى من الأميركيين ببيان سياسي تمثل في التحدي ورفض الحصول على اللقاح! 
لقد كرهوا إجبار الأنشطة الاقتصادية على الإغلاق، وكرهوا أن يُطلب منهم وضع الكمامات في الأماكن المغلقة حين أعيد فتح هذه الأنشطة، وكرهوا بقاء أطفالهم في المنازل بعيداً عن المدارس، وكرهوا ارتداء الكمامات بعد فتح المدارس.. لكن الحقيقة البسيطة أن كل هذا كان من الممكن تجنّبه لو أن كل الأميركيين المؤهلين للحصول على اللقاح - وهم كل الراشدين غالباً في هذه المرحلة - اختاروا ببساطة تلقّي اللقاح. لكنهم لم يفعلوا، بل كانوا من أسرى الأكاذيب والمؤامرات ومن المخلصين للتمرد. وفي البداية مع نشر اللقاح، كانت هناك بعض عراقيل إمكانية الحصول وبعض التخوف المفهوم. لكن الآن، تلقى مليارات البشر حول العالم اللقاح ولم يتعرض إلا عدد قليل للغاية منهم لآثار جانبية سلبية. 
اللقاح آمن، وآمن بشكل لا يصدق. فلا توجد به شرائح إلكترونية أو مغناطيسية دقيقة. ولا يتسبب في مرض «كوفيد-19». إنه ليس أخطر من «كوفيد-19» نفسه. وتصديق كل الأكاذيب حول اللقاحات هو رفاهية للناس الذين لا يرقدون في مستشفى حيث تجري مراقبتهم من خلف الزجاج لأن إجراءات «كوفيد-19» الاحترازية تمنعهم من مقابلة الأقارب والأصدقاء وهم يتنفسون بصعوبة بالغة في صراع مع الفيروس الذي يكتم أنفاسهم. إنها رفاهية ألا يكون المرء مسؤولاً في مجتمع يكون فيه الآخرون مسؤولين عنه. ورفاهية أيضاً، حين يفترض المرء ببساطة أنه أكثر أمناً لأن الآخرين يتبعون الاحتياطات الملائمة في السلامة، أي الاعتقاد بأن المرء ليس مضطراً للحصول على اللقاح لأن الآخرين حصلوا عليه. 
لكن سلالة دلتا من الفيروس تطعن في ذلك الاعتقاد. فلن يكون المرء في مأمن كشخص لم يحصل على اللقاح حين يختلط بمجموعات الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح. فسلالة دلتا شديدة العدوى ولا تكل. إنها أقوى من الأصل الذي انبثقت منه. ومع تصاعد سلالة دلتا، تصاعد إيقاع توزيع اللقاح في البلاد. لكن الخوف من الهزيمة الأيديولوجية لا يضارع فيما يبدو الخوف من الموت الوشيك. ويجب ألا يتطلب الأمر تصاعداً جديداً في المرض والموت حتى يتم الإيمان بالمنطق السليم. 
فلماذا يعزف بعض الأميركيين عن تلقي لقاح يتوق كثيرون في مناطق أخرى من العالم للحصول عليه؟ لقد فعلوا ذلك بسبب إخلاصهم لآراء كاذبة. وفعلوهم لأنهم كانوا وما زالوا يكنون ولاءً لترامب، ولأن كثيرين من الساسة والمعلقين المحافظين ساعدوا ترامب على بث آرائه غير الصحيحة. فقد كشف استطلاع للرأي أجرته في الآونة الأخيرة جامعة «مونماوث» عن أن «وسط الذين يعترفون بأنهم لن يأخذوا على اللقاح إذا استطاعوا تفاديه، هناك 70% إما يعلنون انتماءهم للحزب الجمهوري أو ميلهم إليه، بينما هناك 6% فقط من هؤلاء يقفون في صف الحزب الديمقراطي». ومنظر عدد لا يحصى من تشييع الجثامين، مع اتباع التباعد الاجتماعي، أقل تأثيراً في هؤلاء المحافظين من منظر اتباع التباعد الاجتماعي في أحد أفرع سلسلة مطاعم «فادريكرز» للوجبات السريعة. 
إنه محض جنون وخبل، وما كان يجب أن يحدث. وحتى الآن، لقي كثيرون حتفهم، وعدد كبير منهم كان من المحتمل أن يكونوا على قيد الحياة لو أن الأشخاص في قمة الحكومة وفي قمة الإعلام لم يغذوهم بالأكاذيب عن الفيروس. لدينا وضع في أميركا يلقى فيه أشخاص الموت، ويواصلون ملاقاته، بسبب الجهل والعناد. وهم مصرون على أن يثبتوا أنهم على صواب حتى إذا كان رهانهم واضح الخسران. وهذا مثل مشاهدة ملايين الأشخاص يعبثون وسط حركة السير في مسعى انتحاري.

تشارلز بلو
صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/08/08/opinion/anti-vaccine-america.html