ربما أصبح لبيرو رئيس جديد لكن التحديات التي تواجهه وتواجه البلاد تمتد جذورها إلى عقود. فقد تم تنصيب الزعيم النقابي والمعلم في مدارس الريف، بيدرو كاستيلو، رئيساً للبلاد يوم 28 يوليو، في عملية انتقال متعجلة بعد أسابيع من عدم اليقين القانوني والسياسي. وكاستيلو ليس أول وافد من خارج المنظمة السياسية يفوز بالرئاسة في بيرو، لكنه الوحيد الذي قفز من الريف الفقير إلى أعلى منصب في البلاد. وتولى كاستيلو، وهو مرشح اليسار، المنصب بعد انتخابات حامية الوطيس فاز فيها في بداية يونيو بفارق 44200 صوت من بين نحو 19 مليون صوت انتخابي. وطعنت منافسته كيكو فوجيموري بالتزوير في نتيجة الانتخابات، لكن طعونها رفُضت. إلا أن النزاع القانوني لم يدع لكاستيلو إلا تسعة أيام لينظم فيها عملية الانتقال من الإدارة السابقة. 
وأثار فوزه الشقاق، لكنه بعث الأمل في نفوس كثيرين، خاصة في المناطق الريفية الفقيرة. وتوالى على بيرو خمسة رؤساء منذ عام 2018، حين بدأ البرلمان والرئيس لعبة الهجوم والهجوم المضاد. فكان الرئيس يهدد بإغلاق المجلس التشريعي والمشرعون يردون في المقابل بالتهديد بتوجيه الاتهام رسمياً للرئيس. ودستور بيرو ييسر هذا نسبياً. وتشبث كثير من البيروفيين بأمل أن يكسر الوافد الجديد على السياسة، كاستيلو، هذا النموذج من الأزمات المركبة. لكنه فيما يبدو فاقم التوترات باختياره وزراء بناءً على الأيديولوجيا الحزبية وليس على الخبرة، مما أعاد تشكيل العلاقات مع حلفائه السياسيين وخصومه، وقد يمهد الساحة لمزيد من الصراع السياسي. 
وقضى كاستيلو أغلب سنوات عمره في التعليم بمدرسة صغيرة في قرية بشمال بيرو. وظهر لأول مرة على ساحة الأحداث القومية عام 2017، حين دعا هو ومدرسون ريفيون آخرون إلى إضراب للمطالبة بظروف ورواتب أفضل للمعلمين الذين يعملون في المناطق النائية. وانشق المعلمون الريفيون عن الاتحاد القومي للمعلمين وكسبوا الدعم تدريجياً من الشعب والمعارضة. وأدى الإضراب في نهاية المطاف إلى أزمة سياسية استغلها البرلمان كذريعة لإجراء تعديل وزاري كبير. 
ثم انسحب كاستيلو من المسرح القومي ليقوم بالتدريس ويعتني بأرضه الزراعية. وخوض السباق على الرئاسة لم يكن يخطر بباله حتى قبل عام فحسب حين خاطبه حزب «بيرو الحرة» الصغير كي يخوض السباق. ولم ينضم إلى الحزب حتى أكتوبر الماضي ولم يكن اسمه ذائع الصيت في عمليات استطلاع الرأي قبيل الجولة الأولى من الانتخابات في أبريل الماضي. ويرجع نجاحه في الانتخابات الرئاسية إلى مجموعة عوامل، منها الجائحة التي كشفت التفاوتات الاقتصادية الكبيرة ومعدلات الفقر الشديدة في البلاد، والفساد الهائل وسط الصفوة السياسية. فأحد الرؤساء السابقين قابع في السجن واثنان آخران قيد الإقامة الجبرية، وقد يخضع آخر للمحاكمة لاحقاً هذا العام بسبب اتهامات بالفساد. وقد سئم سكان البيرو من السياسة المعتادة وكانوا يرجون أن يحظوا بسياسي لا علاقة له بالأحزاب الراسخة، والأهم ألا يكون له صلة بالفساد. واكتسح كاستيلو المناطق الريفية التي يحظى فيها حزب «بيرو الحرة» بشعبية، حاصداً قرابة 90% من الأصوات في بعض المناطق. 
وكان البيروفيون يأملون نبذ التأزم السياسي وراءهم، لكن كاستيلو في أول أسبوع له في المنصب، ربما فاقم هذا التأزم. وبدأت المشكلة بعضو البرلمان جيدو بيليدو، وهو وافد جديد أيضاً على السياسة اختاره الرئيس ليقود الوزارة المؤلفة من 19 عضواً. وليس بيليدو إلا واحداً من الوزراء الذين تريد المعارضة التخلص منهم. فقد طالب حزب من أقصى اليمين بإقالة خمسة وزراء آخرين من مجلس الوزراء بسبب تعاطفهم المزعوم مع الإرهاب. وأحد هؤلا هو هيكتور بيجار، وزير الخارجية الذي تدرب في كوبا في ستينيات القرن الماضي وكان جزءاً من مليشيا صغيرة حاولت إشعال الثورة في بيرو. وطالبت أحزاب المعارضة الأخرى الثمانية في البرلمان بتعديلات أيضاً. ومن بين 19 وزيراً، أثار 12 منهم اعتراضات من حزب واحد أو أكثر. 
وجانب من الانتقادات للحكومة تمثل في التوجه الأيديولوجي، لكن عدداً من الوزراء يفتقرون للخبرة الأساسية. فهناك عدد منهم ليس لديهم معرفة أساسية بالحقيبة الوزارية التي اختيروا لتوليها أو القليل من هذه الخبرة. فالمسؤول عن حقيبة النقل هو ناظر مدرسة عامة سابق. وجاء كاستيلو إلى السلطة في انتخابات أُريد بها أن تكون صمام تنفيس عن احتجاجات وتوترات اكتسحت البلاد عام 2020 الذي توالى فيه على بيرو ثلاثة رؤساء في غضون أسبوع في قمة الجائحة. لكن هناك قلق من أن يكون الفشل مصير رئاسة كاستيلو مع تحول الحديث في البرلمان إلى خيارات مثل توجيه الاتهام للرئيس. 
ويرى خوليو جوزمان، وهو مرشح رئاسي سابق عن حزب وسطي صغير، أن الرئيس اختار مجلس وزراء بلا خبرة في وقت تحتاج فيه بيرو مديرين أكفاء. ويخشى جوزمان احتمال أن تواجه بيرو أزمة سياسية أخرى مع خروجها من أسوأ ركود في ثلاثة عقود. وبيرو لديها أعلى معدل من وفيات «كوفيد-19»، وفقاً لرصد جامعة جونز هوبكنز، لكنها تمضي سريعاً في توزيع اللقاحات. والتأزم السياسي قد يقوض مثل هذا التقدم المطلوب بشدة للتصدي للجائحة وتحقيق التعافي الاقتصادي. ولم يرد كاستيلو علناً على الانتقادات الخاصة باختيار الوزراء. وترى جو ماري بيرت، الأستاذ المساعد والخبير في شؤون بيرو بجامعة جورج ميسون، أن التزام الصمت لا يساعد كاستيلو لأن «البيروفيين يريدون معرفة الوجهة التي تسير إليها البلاد».

لوسيان شوفان
صحفي مقيم في ليما
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»