الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

رحلة في ضيافة الوحش

رحلة في ضيافة الوحش
10 أغسطس 2021 00:40

لماذا يبتسمون؟ ما الذي يحملونه في أيديهم؟ هذا ما يسمونه بالكاميرا، تباً لهؤلاء السياح الذين جعلوا مني أضحوكة، يقطعون الفيافي والقيعان ليغطسوا أمامي متباهين من دون خوف خلف هذه القضبان؟ الغريب أنهم هم من بالقفص ولست أنا؟ سأحاول أن ألتهم قطعة من أجسادهم ليكونوا عبرة، فلا خوف ولا رهبة في أعينهم مني أنا الملك غير المتوج في هذه المحيطات، كم هم سعداء برؤيتي أتلوى محاولاً الوصول لأجسادهم، ولكنها الأيام دول، فهذا اليوم ليس لي، فلأبتعد بكرامتي.
هذه العبارات الأدبية الخيالية الصادرة من هذا المخلوق المتوحش، دارت في مخيلتي عندما قمت بهذه الرحلة لسبب وحيد هو مشاهدة هذا الوحش عن قرب، بعدما تعلقت بعنفه وبأسنانه الحادة التي شاهدتها من خلف شاشات التلفاز، فكانت هذه الزيارة.
إنه صباح مشمس على الساحل الجنوبي لجنوب أفريقيا، ونحن نتمايل على الأمواج على بعد أميال قليلة من الشاطئ، بينما تهب الرياح حولك محملة برائحة اليود المميزة، أتطلع باستغراب لبدلة الغوص التي لا معنى لوجودها ولا فائدة، أجواء يشوبها الخوف الذي يدفعه حب المغامرة فيتلاشى مع تلاشي قطرات المياه التي تتطاير حولنا مع زيادة سرعة القارب السريع الذي يأخذنا إلى وجهتنا حيث سنحل ضيوفاً ثقلاء على أسماك القرش البيضاء، في قفص سيحمينا – بعد حفظ الله – من أسنانه الفتاكة، هذه هي رحلة اليوم في ضيافة أسماك القرش.
الرحلة كانت إلى كيب تاون التي سافرت إليها عبر جوهانسبيرغ - حيث حصل لي موقف عجيب غريب سأرويه في موقع آخر، يرتبط بعادتي الدائمة في السفر وهي (تضييع ما لا يضيع) - وصلنا كيب تاون وفي اليوم التالي كان الانطلاق لزيارة مدينة Gansbaai وتسمى مدينة القرش الأبيض التي تبعد ساعتين، حيث توجهنا لشركة الباحث والناشط في مجال أسماك القرش Michael Rutzen وهو شخص شهير جداً وصاحب براءات اختراع في حماية أسماك القرش ويقوم بتنظيم هذه الرحلات لأكثر من 10 سنوات.
توجهنا على ظهر القارب - باراكودا - الذي تم تصميمه خصيصاً لمثل هذه الرحلات، حيث يلتصق به قفص حديدي يتسع لـ 4 إلى 6 غواصين في وقت واحد حسب حجم المجموعة. وتبدأ المغامرة بإلقاء بعض الأسماك والدم في منطقة تواجد القرش، الذي يقترب من القفص بكل حذر، ممنياً نفسه بوجبة دسمة بأجسادنا الممتلئة، ولكنه اصطدم بألواح القفص الحديدي كلما حاول الدخول، ويكون علينا أن ننزل برؤوسنا داخل الماء لمشاهدة تحركاته العنيفة من دون إخراج أيادينا خارج القفص لنضمن بقاءها ملتصقة في أجسادنا. كانت مغامرة مخيفة وممتعة في نفس الوقت، زادها حماساً رؤيتنا لهذا المخلوق الضخم بهذا القرب وهذا التوتر.
رحلة كانت سعيدة لنا، حزينة لأسماك القرش الضخمة التي كانت تنتظر هؤلاء الرحالة القادمين من بلاد العرب محملين باللذيذ من اللحوم والشحوم. ولكنها عادت بخفي حنين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©