حركة «النهضة» هي التي تمثل التيار الإسلامي في تونس، وتأسست عام 1972 وأعلنت رسمياً عن نفسها في 6 يونيو 1981 وتم الاعتراف بها كحزب سياسي في تونس في 1 مارس 2011. ولدى الحركة تاريخ دموي بدايةً من صدامات الثمانينات وأحداث التسعينات كحادث «باب السويقة»، وذلك بعد أن شكل التنظيم الجهاز السري والجناح العسكري له على غرار جميع تنظيمات «الإخوان المسلمين» في كل دول العالم ونجحت الحركة في نشر اتباعها في كل الوظائف المهمة في الدولة، وخاصة في المجال العسكري والأمني، وقد ألقت السلطات القبض على قيادات الحركة عدة مرات طوال تاريخها وقدموا للمحاكمات بتهم: الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها، أو القيام بأعمال عنف ضد الحزب الحاكم. وكان تمويل الحركة آنذاك قاصراً على أجهزة الاستخبارات الأجنبية والحكومات الإسلامية الإيديولوجية المذهبية في العالم الإسلامي. وكان زعيم الحركة «راشد الغنوشي» عضو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ضمن الوفد الذي ذهب لإيران في حفل تنصيب الخميني، وعرض على آية الله الخميني آنذاك خلافة العالم الإسلامي بشقيه السُني والشيعي من قبل «الإخوان»، كما دعمت الجماعة الجانب الإيراني في حربه مع العراق.
إذا هو تاريخ حركي منفعي بحت. وبعد الربيع «التونسي» حظي الحزب بدعم غير مسبوق من تركيا ودولة عربية، كانت المستثمر الأكبر في تونس بعد فرنسا وبريطانيا، حيث بدأت الحركة بعد الثورة في لم شملها وتنظيم مكوناتها، وتقدمت بطلب ترخيص حزب لدى وزارة الداخلية، وتحصلت عليه في 1 مارس 2011. وشاركت الحركة في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. وفي انتخابات 2011. وإثر الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي، فازت حركة «النهضة» بحوالي 42% من المقاعد، ودخلت في ائتلاف حاكم مع حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، و«حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات»، وأطلق عليه الترويكا. وتحصلت «حركة النهضة» على المركز الأول في كل الدوائر الانتخابية داخلياً وخارجياً، إلا في دائرة سيدي بوزيد الانتخابية، ومنذ ذلك الحين لم تتعاف الدولة التونسية ليومنا هذا على الرغم من منحها كل محاولات قبلات الحياة من الحكومات التي توالت عليها تباعاً! وتم الاختراق لمؤسسات الدولة، وخاصة الوزارات السيادية، وتفشي مظاهر الدولة العميقة، حيث لا يمكن فصل الحركة عن تنظيمها السري، فكل قطاعاتها وهياكلها كانت مزدوجة بين السرية والعلنية.
وقام الحزب بالصرف الجزيل على شركات تحسين الصورة وإدارة ملفاته الإعلامية على قرار التعاقد مع شركات تقوم بحملة لصالحه في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بغرض تحسين صورته والتلاعب بالرأي العام، من أجل تشكيل مجموعة ضغط ضد الرئيس قيس سعيد بعد قراراته الاستثنائية وتنامي الجدل الذي أثاره تداول وثائق حول عقد أبرمته حركة «النهضة» ووكالة «بورسن كوهن أند وولف» بتاريخ 29 يوليو الماضي، بهدف تيسير تواصل الحزب مع الفاعلين الرئيسيين بالولايات المتحدة الأميركية، وتوفير دعم وسائل الإعلام وتقديم استشارة في الاتصال الاستراتيجي، وهو الأمر الذي يمنعه ويعاقب عليه القانون التونسي الذي يحظر حصول الأحزاب السياسية على دعم أجنبي وحيازة الأموال ناهيك عن الدعم الخارجي التي حصل عليه الحزب لتمويل حملاته الانتخابية.
حركة «النهضة» أمام مفترق طريق تاريخي. والدبلوماسية الشعبية، التي تمارسها منذ ما بعد الثورة التونسية وتسويقها للنموذج «الديمقراطي المتأسلم» ذات التوجهات الديمقراطية في الظاهر والمنقسم بين اليميني المتطرف واليساري التقدمي خلف الكواليس، هي أكبر عملية تسويق سياسي مضلل في التاريخ الحديث.
كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات