عندما لجأت الحكومة الهولندية -في تسعينيات القرن الماضي- إلى إلزام القادمين الجدد إليها ببرامج تأهيل خاصة لتسهيل اندماجهم في المجتمع المحلي. أذكر جيداً ما قرأته حينها من تقارير مختلفة في تلك الفترة عن «صدمة» الكثير من الصوماليات المهاجرات عندما أخبرهن مرشدو التأهيل الاجتماعي في تلك البرامج بأن ضرب الزوجات يُعد من جرائم العنف الأسري التي يجب أن يُبلّغ عنها فوراً! فقد اعتقدت النسوة ولسنوات طويلة وعبر أجيال متتابعة، أن ذلك السلوك أمر طبيعي وحق كامل للزوج! وكيف لا؟!.. ألم تنشأ كل فتاة في منزل رأت فيه جدها يضرب جدتها ووالدها يضرب والدتها، فهل يحق لها أن تستهجن ضرب زوجها لها؟!
في تحقيق آخر عن أحوال الأرامل حول العالم كنت قد اطلعت عليه في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» منذ عامين، فوجئت ببعض الممارسات المتوارثة والراسخة من قبيل سلب مال وسكن الزوجة المتوفى عنها زوجها بل وتوريثها غصباً لأحد أقاربه! المثير أكثر أنه عند مواجهة أصحاب هذه العادات حول جورها وقسوتها، كانت ردودهم من قبيل: «حقاً.. لم نكن نعرف ذلك». بالفعل فهؤلاء القوم لا يعرفون، والحقيقة أنهم ليسوا وحدهم الذين لا يعرفون أن في بعض عاداتهم وما توارثوه واعتقدوه لسنوات طويلة ما هو غير إنساني، وأن بعض تقاليدهم سلوكيات تعد من أسوأ ما تعاطاه البشر على الأرض!
 لا يختلف حال هؤلاء عن كل فرد منا لم يفكر يومياً في إعادة تقييم عادات وسلوكيات توارثها كما هي عبر أجيال كثيرة، عادات ترسخت فينا، وكأنها قناعة، ووقفنا ضد أي مُختلف عنها. ولذا يأتي فعل الاطلاع والقراءة والتعرف على الآخرين وثقافاتهم من سمات المجتمعات القوية التي تمتلك حصانة متينة تحمي بها معتقداتها التي ثبت -مقارنة بمعتقدات الآخرين- أنها أجدى وأنفع فتتمسك بها، أو -على النقيض- أن هذه المعتقدات لها مضار فامتلكت القدرة على مواجهة نفسها وشحذت همتها لتغييرها. هذا تماماً ما يسهم في تحقيقه فعل القراءة والاطلاع، والذي لا يجعلنا نعرف من خلاله الآخرين فقط.. وإنما يجعلنا نعرف أنفسنا أيضاً.