الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: المعرفة المطلقة

د. عبدالله الغذامي يكتب: المعرفة المطلقة
7 أغسطس 2021 00:14

يستخدم هيجل مصطلح المعرفة المطلقة، حيث يدخل العقل في مفاهيمية فيها محاولة عميقة تلامس صميم الإشكال، فهيجل يقدم العقل بصفته ليس عقلاً فحسب، ولكنه روح أيضاً، وإن تبدى ثقافياً أن العقل والروح مختلفان اختلافاً جذرياً ووظيفياً، لكن هيجل يطرح العقل في ثلاثة مفاهيم هي، العقل الذاتي، والعقل الموضوعي، والعقل الكلي، فالعقل الذاتي هو العقل الفردي، حيث يدرك ذاتيته، وهذا هو المستوى الأولي للإدراك الذاتي والوعي بالذات المفردة ومقامها في الوجود، وإذا أدرك العقل وظيفته الذاتية هذه انساق باتجاه العقل الموضوعي، حيث سيدرك أن الذات جزءٌ من كل وتكون مشروطةً بنظام أخلاقي يضمن معاش الذات مع الذوات الأخرى ويكون الكل تحت تنظيم قانوني، وتحكمه سياسة عامة تنظم علاقات الجميع مع الجميع والفرد مع الفرد، وهذا هو المستوى الذي يصبح فيه العقل الذاتي خارج ذاتيته ليكون موضوعاً مشتركاً في نظام جمعي وليس فردياً.
والعقل في هذين المفهومين سيكون واقعياً حسب شروط الواقع وظروف التشارك في المعاش، وفي السلم والحرب معاً، حيث تنتظم الحياة الكل بخيرها وضغوطها، ولكن العقل سيرتفع لما هو أكبر وأعمق وهي حالة العقل المطلق، وهذا مستوى عالٍ يتحرر فيه العقل من عقليته الذاتية والموضوعية معاً، حيث لن تقيده شروط الواقع التي تتحكم بالعقل في مرحلتيه الذاتي الفردي والموضوعي القانوني أوالأخلاقي، لأن العقل المطلق هنا سيكون هو الروح «reason is spirit»، وفي هذا المستوى سيصل العقل للإيمان وللإبداع المتفرد ولمستوى التفكير الحر، لأنه في حالة المطلق وفي حالة الروح المتخلصة من شروط العقل الذاتي والعقل الموضوعي وشروط العالم الطبيعي ومؤسسات المجتمع وقوانينه، وهنا تولد المفاهيم العليا للإيمان وللإبداع وللتفكير الحر والوعي المطلق، ولن يبلغ العقل حريته ويصل لقدراته العالية إلا بتحرره من قيود الحياة اليومية وظروف الواقع، وهذه الحالة ليست إلا حالة الاندماج مع قدرات العقل الحقيقية وقوته القصوى، وهنا يتساوى العقل مع الروح، ويكتسب خصائص الروح بعد تحرره من قيوده ومن ثم دخوله للمطلق، وسيسد العقل عجزه، ويكتشف الحقائق العظمى التي تحتاج لتحرير العقل أولاً من عقلانيته الذاتية والموضوعية، وإذا تحرر منهما وصل لمستوى المطلق الذي سيكون هنا هو الروح، ولهذا اختار هيجل لعنوان كتابه مفردةً تعني العقل والروح، وهذا ما أربك الترجمات بين فينومولوجيا الروح أو فينومولوجيا العقل، وحدث هذا في الإنجليزية والعربية لدرجة أن النسخة الإنجليزية وضعت عنوانين على الغلاف الخارجي للكتاب، أحدهما الروح والآخر العقل.
ملاحظة: طرحت هذه القضية مع مقارنات فلسفية في نقاش موسّع في كتاب سيصدر قريباً بحول الله عن «مآلات الفلسفة».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©