هناك مقولة للعالم اللاهوتي ماثيو هنري مفادها: (خلق الله المرأة من ضلع الرجل، لا من رأسه حتى لا تسيطر عليه، ولا من قدميه حتى لا يدوس عليها، لكن من جنبه الأيسر حتى تساويه، تحت ذراعه حتى يحميها، وبقرب قلبه حتى يحبها).

هذه العبارة – والتي نسبت كثيراً أيضاً إلى شاعر الهند الكبير طاغور- فات قائلها أياً كان، أنه وبعيداً عن الرومانسية المدججة فيها، فإن المرأة حسب العلم الذي لا يمكن مجادلته، لم تخلق من ضلع الرجل، بل هي محصلة طبيعية لأي تزاوج طبيعي بين رجل وامرأة، والنوع الجنسي «والحال كذلك»، يصبح لا تفوق فيه، بل مساواة كاملة في النشوء.. أما الارتقاء فتلك حالة متفاوتة على المستوى الإنساني بين كل شخص وآخر بغض النظر عن جنسه. تلك العبارة، انطلقت من أساس ترسخ في ذهن البشرية وبروايات متعددة ومختلفة، جعلت الرجل أساس خلق المرأة، وجعلت الأنثى فرعاً لهذا الذكر، ومع تراكم العصور وتقلباتها وتطور البشرية العلمي، إلا أن الفكرة بقيت في العقل الباطن للقبيلة الذكورية الكامنة في غالبية المجتمعات، خصوصاً الشرقية منها، ومن كل ذلك توالدت العادات والموروثات الاجتماعية وكثير منها حمل صفة الديني والمقدس!! في بلجيكا، أول وصولي إليها مهاجراً قبل عشر سنوات، شهدتُ بنفسي قصة صادمة أثرّت فيما بعد على تحديد علاقاتي في «المجتمعات» الانشطارية من حولي في المهجر.

فتاة بلجيكية من أصول عربية مشرقية لعائلة مهاجرة، تفوقت في دراستها، وبدعم شرس من والدتها، وتحفظ دائم على مدار سنوات من والدها الذي يرفض مبدأ التعليم للبنات. الفتاة تفوقت وتم قبولها لدراسة تخصص طبي في الجامعة، وهنا كانت الغلبة لسطوة الأب، فرفض التحاقها بالجامعة، وبدأ يخطط لعودتها لتدرس في معهد ديني في بلاده، على أمل منه أن تجد نصيبها بعريس هناك!

الأم، استخدمت آخر أوراقها واستطاعت إقناع الأب ببقاء الفتاة في بلجيكا ومن دون إكمال تعليمها، وملمحة إلى وجود «عرسان مناسبين» من «ناس يخافوا الله زينا»، كما نُقل لي نصاً في الحكاية. تقدم للفتاة عريس مهاجر من عائلة مهاجرة ويحمل جنسيتها، لكن يوم الخِطبَة «غير المختلطة» في بيت أهل الفتاة، لاحظ الأب «الذي يخاف الله، ثم ينسى شريعته في حانات الليل التي يرتادها في العطل» أن والدة الخاطب غير محجبة بما يكفي، وقامت باحتضان شقيق زوجها عم الخاطب، وهو من عظائم الأمور في وجدانه، فأنهى القصة وحسم الأمر ورفض العريس. بعد فترة بسيطة، تمت خطبة الفتاة بطريقة أخرى، حين تقدم والدها نفسه بالطلب من عامل شبه أمي في معمل ملابس مستعملة، لا يحمل أوراق إقامة شرعية، أن يتزوج من ابنته، وتفسير هذا الرجل كان في جلسات «رجال» وبوضوح، أنه «اشترى» رجلاً..يضمن أنه سيبقى تحت أمره وقد صنع له معروفاً.

نحن هنا، أمام أكثر تجليات تعنيف المرأة في العقل العربي وضوحاً، ومكمن الخطر أن تكون هكذا في عقلنا الجمعي الموروث، سقط متاع وبضاعة مباح التصرف بها ضمن العادات أو الموروث أو حتى باسم المقدس، فنوظف النص بما لا يحتمله من تأويل، ونظل نتعثر بخطواتنا لأن «نصف مجتمعنا» معطل!

* كاتب أردني مقيم في بلجيكا.