مع أنه ليس بالشيء الذي يُذكر، أو يمكن الحديث عنه، ولكنه يحتاج وقفة صغيرة تأملية، حول الطريقة التي يحاول «الإخوان المسلمون» تبرير أخطائهم الفادحة المتلاحقة، خاصة عند الحديث مع وسائل الإعلام الأجنبية، وكيف يمارسون الخداع بالكلمات لتسويق مشروعهم الذي أثبت فشله الذريع، مرات ومرات، وسقطت آخر قلاعهم للأبد.
وجدت في لقاء راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي «المجمد»، وفي حديثه مع صحيفة «ذا تايمز» اللندنية، مصطلحاً يقوم بتسويقه، وهو مصطلح «الإسلاميين الديمقراطيين» متحدثاً عن نفسه وعن حزب «النهضة» الإخواني، وعن الحركة والجماعة الإرهابية التي عاثت فساداً ليس في تونس فحسب، بل في مصر وليبيا والسودان واليمن، وفي كل بقعة امتدت لها براثن الإسلام السياسي، الذي يزج بنفسه تحت عباءة الدين الحنيف وقيمه ومثله العليا السمحة.
الغنوشي يصف نفسه أنه واحد من «الإسلاميين الديمقراطيين» باعتبار أن تسويق هذا المصطلح في بريطانيا أو الولايات المتحدة أو أي من الدول الأوروبية أو وضع كلمة «ديمقراطي» ستترك أثراً بالغاً من وجهة نظره، ويعتبر أن هذه الدول والوسائل الإعلامية هي جاهلة لدرجة تصديق أنه يمكن لكلمة «ديمقراطي» أن تفتح له الأبواب على مصراعيها، وأن كل الأكاذيب التي قد يذكرها في لقائه الصحفي، باتهام الرئيس التونسي أو اتهام دول مثل دولة الإمارات ومصر وغيرها من الأكاذيب، سوف يتم تصديقها باسم «الإسلاميين الديمقراطيين»، أو أنهم سيتحركون من أجله لإنقاذ تلك الديمقراطية المزعومة.
هذه محاولة مكشوفة، فالدول ووسائل الإعلام الغربية تعلم أن الرئيس التونسي قيس سعيّد، هو الذي جاء بالانتخاب وهو حامي الدستور والشعب، وأن قراراته التي جاءت رداً على الاحتجاجات ضد فشل الحكومة في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المتنامية، قد جاءت أيضاً لوضع حد حاسم للفساد، الذي أسست له وتديره جماعة «النهضة»، ويعلمون علم اليقين أن فوز «الإخوان» بمقاعد برلمانية، سواء في تونس أو في أي مكان آخر، عملية مدروسة ومُمولة تم خلالها استدراج البسطاء في المجتمعات من خلال المنابر باسم الدين والتقوى والصلاح، وينأى عنها الفئات المجتمعية المثقفة والواعية، ولا تحتاج تلك الدول ووسائل الإعلام دليلاً على أن الرئيس التونسي هو الذي يمثل الشعب التونسي حقاً كخروجهم جميعاً تأييداً لقراراته السيادية، التي أوقفت هذا النزيف.
الغرب والمثقفون حول العالم يعلمون أنه ليس هناك شيء اسمه الإسلام الديمقراطي، فالإسلام هو دين الأمة، في أدنى الأرض وأقصاها، سواء في بريطانيا أو أميركا أو في أوروبا أو في البرازيل، يغطي الجوانب الروحية الأساسية التي يعتقدها الإنسان، ولا يتعلق من قريب أو بعيد بالممارسات السياسية، وليس جزءاً منها ولا يمثلها ولا تمثله، وإذا لم يكن هذا صحيحاً فليجرب الغنوشي أن يؤسس حزب «الإسلاميين الديمقراطيين» في بريطانيا أو أميركا أو فرنسا، عندها سيفهم أنهم لن يسمحوا له بممارسة العمل السياسي باسم الله تعالى أو باسم الدين، وأن تلك جريمة كبرى في أعرافهم، أن تخدع الناس وتجعلهم يصدقون بأنك ستنجح في عملك السياسي، فقط لأنك تذكر دينهم.
يعتقد الغنوشي أن زج اسم الإمارات في دفاعه المستميت عن آخر جحور «الإخوان» المسلمين، والتي سقطت جميعاً، سيجعل موضوعه عالمياً، ويجعل الاهتمام الإعلامي بتصريحاته أكثر انتشاراً، وهذا ليس جديداً على كل الجماعات الإرهابية، التي تريد تسويق نفسها، فتزعم أن الإمارات تلاحقها، ومع صحة أن الإمارات هي جزء من المجتمع الدولي الذي يكافح الإرهاب والتطرف، إلا أن هذه المشاركة هي جزء من عملية إرساء السلام والأمن للمجتمعات التي تعاني من جور وظلم الجماعات الإرهابية كـ«داعش» و«القاعدة» و«الإخوان المسلمين» وغيرهم.
كان على الغنوشي وغيره من زعماء الحركات والجماعات أن يهتم بشأن تونس الداخلي، وإنْ كانت لديه وجهة نظر تتعلق بتونس وأوضاعها الداخلية أو لديه دفاع حول ما يراه الرئيس والشعب التونسي، فليقدمها دون أن يذكر دولة الإمارات التي تحب لتونس الأمن والاستقرار، ولذلك نضم صوتنا لصوت معالي أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات الذي رد على الغنوشي بقوله: «لم أستغرب حوار السيد راشد الغنوشي مع صحيفة التايمز اللندنية واتهاماته الموجهة للإمارات، فقد تعودنا الزج باسم الإمارات من قبل هذه الجهات لتبرير قصور محلي وهيكلي، نصيحتي أن تكون قراءته داخلية لأحداث بلاده فستكون بالتأكيد أدق ولعلها أنفع».

عبد الله السيد الهاشمي*

*لواء ركن طيار متقاعد