بعد مقالي الأخير «على شفا الهاوية» الذي تناولت فيه ما وصلنا إليه بسبب التغيرات المناخية، هاتفني أحدهم منزعجاً مما كتبته متهماً إياي بالتشاؤم. أنصتُّ إلى ما قال من دون أن أقاطعه. عندما أنهى حديثه أبديت له سعادتي بتفاعله مع ما طرحت، لكن لا يهمني إن كان رأيه في ما كتبت سلبياً أم إيجابياً، ولأنه بدا لي بأنه لا يتابع ملف التغيرات المناخية بالقدر الكافي، دعوته إلى تصفح ما تنشره المواقع الإلكترونية التي ستغرقه بتفاصيل كثيرة، وستحاصره عشرات الآلاف من الصفحات بالأخبار والتقارير الموثقة وبدراسات وآراء الخبراء والباحثين المتخصصين في هذا المجال، وجميع ما سبق يؤكد على مسألة واحدة، وهي أن كوكب الأرض في موقف خطير جداً إذا ما استمر الأمر على ما هو عليه اليوم، وإذا ما استمرت سياسات بعض الدول الكبرى في تجاهل ما نحن عليه وفيه. وبالتالي فإنني لا أقدح من رأسي، وما كتبته وأكتبه وسأكتبه يستند إلى تقارير علمية صادرة عن مؤسسات وهيئات ومنظمات دولية متخصصة في قضايا البيئة والتغير المناخي، ويكفي أن نقرأ أحدث تحليل صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والذي يشير إلى أن المخاطر المتعلقة بالمناخ تهيمن على قائمة الكوارث من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية على مدى الأعوام الخمسين الماضية. والتقرير يشير إلى أن أكثر من 10 كوارث طبيعية حدثت خلال الفترة القصيرة الماضية أدت إلى أكبر الخسائر البشرية، وهي الجفاف والعواصف ودرجات الحرارة المتطرفة. وإزاء ما تقدمه الجهات المعنية في العالم عن التغيرات المناخية لا مجال للتشاؤم أو التفاؤل، لأن ما يتحدثون عنه وما ينشرونه واقعي جداً.
محدثي الذي هاتفني تراجع عن موقفه تجاه ما كتبت، لكنه عاد لاتهامي بتجاهلي سياسة الاستدامة والبيئة الخضراء والطاقة النظيفة التي جدولتها بعض الدول منذ سنوات ضمن خططها قصيرة وبعيدة المدى بهدف معالجة الخلل البيئي، ومرة ثانية نفيت تجاهلي تلك الجهود، والتي أعتبرها جهوداً فردية. فبالرغم من أهميتها، إلا أنها لن تفلح في مواجهة الأزمة العالمية التي تحتاج إلى تكاتف وتحالف دولي ضخم يضم كافة القوى الدولية والإقليمية. ثم إن تلك الجهود هي من صميم مسؤولية الدول والحكومات للتعامل مع قضية بهذا الحجم وتلك الخطورة، خصوصاً وأن الأمم المتحدة أعلنت العام الحالي «عام حماية البيئة» في إطار إدراكها ووعيها بالخطر الكبير الذي يهدد الأرض بما فيها. 

وقد يكون المؤتمر الدولي الذي سيعقد في نوفمبر المقبل بمدينة غلاسكو الأسكتلندية ويجتمع فيه قادة العالم فرصة عظيمة للاتفاق على وضع حد لتفاقم مشاكل البيئة والقضايا المتعلقة بالتغير المناخي والاحتباس الحراري، مع إيفاء الدول الكبرى بالتزاماتها لرصد ميزانية ضخمة لدعم الدول الفقيرة وهو الأمر الذي يعتبر جزءاً رئيساً من حل المشكلة.

إن القمة المنتظرة ليست التحرك الدولي الوحيد بشأن قضية التغير المناخي، إذ سبقتها قمة دعا إليها الرئيس الأميركي جو بايدن في أبريل الماضي، وعلى المستوى الإقليمي انعقدت قمة دولية في الإمارات حضرها جون كيري المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون تغير المناخ، و«ألوك شارما» رئيس الدورة الـ26 لمؤتمر الأمم المتحدة حول تغيّر المناخ، وغيرها من المؤتمرات والاتفاقيات التي عُقدت والتي - للأسف - لم تفضِ إلى تحقيق الحلم المنشود، أي بيئة نظيفة خالية من التلوث، وكوكب كلُّ من يعيش فيه يشعر بالأمان.
عديدة هي التحركات الدولية المرتبطة بأزمة المناخ، وجميعها تؤكد الشعور المتزايد بخطورة الموقف، وتدعو إلى ضرورة العمل الدولي من أجل إنقاذ الأرض والبشرية، فالواقع البيئي يدعو للقلق الشديد إزاء ما يحدث كل يوم من حرائق وفيضانات وعواصف في غير مواقيتها الطبيعية وبكيفية لم تشهدها الدول من قبل. فما تحقق حتى اليوم في قلة قليلة من الدول على صعيد الاستدامة واستخدام مصادر جديدة لإنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، فإن الاقتصاد العالمي عموماً وبشكل أساسي لا يزال يلوث البيئة بارتكازه على الوقود الأحفوري الذي يلحق الأضرار بالبيئة والإنسان والحيوان والنبات وكل ما يدب على وجه البسيطة، إلى جانب عوامل بشرية أخرى. 
وعلى من هاتفني أطرح أسئلتي بصوت عالٍ: هل ثمة فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه - وقبل فوات الأوان - طالما أن القوى المؤثرة في العالم تتجاهل ما يحدث؟ وهل بإمكان الأمم المتحدة إلزام 192 دولة في العالم بتطبيق السياسات التي من شأنها أن تحمي البيئة؟ 

وهل يمكنها كذلك إلزام الدول الكبرى بدفع مئات مليارات الدولارات لدعم الدول الفقيرة وبالتالي لتطبيق الخطط التي تسهم في إنقاذ الأرض؟ وإن بدأت اليوم كل الدول سياسة حماية البيئة، فكم يلزمنا من السنين لإعادة الحياة إلى ما كانت عليه قبل 100 عام؟