راشد الغنوشي زعيم «حركة النهضة» الإخوانية التونسية هو أحد رموز الإسلام السياسي على مدى عقود. هو ليس مفكراً ثورياً مثل «سيد قطب» أو «المودودي» وليس فقيهاً مثل «القرضاوي» وليس منظراً مشاغباً مثل «حسن الترابي»، هو نوعٌ خاصٌ من الرموز أقرب ما يكون لشخصية «حسن البنا».
قدّم الغنوشي نفسه وقدّمه المخدوعون من المثقفين العرب على أنه رمزٌ للاعتدال الإسلامي وصوت الديمقراطية المتأسلم في مدائح لا يستحقها وهو أبعد ما يكون عنها، ولكن البعض يكتفي بظواهر الأشياء ثم يملأ الدنيا تنظيراً خاطئاً.
منذ بداياته رفض الغنوشي فقهاء تونس التقليديين، وإنْ كانوا متسامحين واختار «أبو الأعلى المودودي» و«سيد قطب» و«حسن البنا» و«الخميني»، لأنه يريد السلطة ويسعى للاستحواذ على الحكم، واستخدم «التيسير الفقهي» لصالح «التشدد السياسي»، فهو يأخذ فتاوى «الغزالي» و«القرضاوي» في التيسير الفقهي لحشد الأتباع لمشروعه السياسي، الذي هو مشروع جماعة «الإخوان».
«الشيخ المستبد» هو أقرب الأوصاف لاختصار مسيرة الغنوشي داخل «حركة النهضة»، فهو لا يقبل الخلاف مطلقاً، وكل من اختلفوا معه تمّت إزاحتهم من الحركة على مدى عقودٍ، ومن أبرزهم حركة «اليسار الإسلامي» و«السلفيون» الذين انشقوا عن «النهضة»، ومن صفاته الملازمة له «الكبر» و«التكبر» بحيث لا يرى أحداً من أقرانه أو أتباعه نداً له وهو لا يخفي ذلك.
الغنوشي عدو لدول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، ففي عام 1990 وبكلام الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي يقول: «جاءنا عبد الرحمن خليفة والغنوشي والزنداني فسألناهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء»، ويضيف: «بعد وصول الوفد الإسلامي إلى العراق فاجأنا ببيان يؤيد الغزو».
في لحظة «الربيع الأصولي»2011 قال الغنوشي من واشنطن: «الثورات تفرض على الملكيات العربية اتخاذ قرارات صعبة... الجيل الشاب في السعودية لا يعتقد أنه أقل جدارة بالتغيير من رفاقه في تونس أو سوريا»، وعاد في 2018 للمقارنة بين مشهد احتراق البوعزيزي التونسي وقضية مقتل السعودي جمال خاشقجي لتهييج قواعد حركته وعناصرها، وهو دعم المعارضين من الإسلام السياسي للدول العربية والخليجية خاصةً.
تحت ظل حكم الغنوشي نشطت «التنظيمات السرية» الإرهابية التابعة للنهضة والمنشقة عنها قتلاً وتفجيراً واغتيالاً، وبعض القضاة الفاسدين يغطون على كل جرائم أتباعه، ويعطلون القوانين ويخفون ملفات القضايا الحساسة، وهو ما يعد الرئيس قيس سعيّد بكشفه في مسعاه الجاد لاستعادة الدولة التونسية.
الرئيس التونسي وحليف «النهضة» السابق المنصف المرزوقي تحدث سابقاً عن «حركة النهضة»، مؤكداً ما هو معروف عنها بأنها تسعى إلى «الاستحواذ على مفاصل الدولة من خلال تعيين مقربين لها في المناصب الإدارية والسياسية، دون الأخذ بعين الاعتبار عنصر الكفاءة»، وهو ما نجحت فيه وعطلت الدولة وأوصلتها لما يشبه «الدولة الفاشلة» بحسب الرئيس قيس سعيّد.
الغنوشي «مخادع» و«ثعلب»و«مراوغ»، وهو على خطى حسن البنا يتبنى «المتناقضات» في خطاباته ومواقفه، وتاريخه خير شاهدٍ في تفاصيل لا تحصى، فهو مرةً يدّعي «المدنية» ليتقرب من إرث «بورقيبة» في تونس، ومرةً يزايد على «الجماعة الأم» في مصر إبان قوتها، ومرةً يقدم فروض الولاء والطاعة لـ«تركيا» ويدعم مرتزقتها في ليبيا وغيرها، وأخرى يخضع بالكامل لدولة عربية ويريد تسليم تونس لها ولأموالها.
أخيراً، فـ«النموذج التونسي»، الذي كان شرارة ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، وتحدث عنه الرئيس الأميركي الأسبق أوباما بشاعريةٍ حالمة عندما نضج أبان عن كل مساوئ الحكم الثيوقراطي الذي تمثله جماعات الإسلام السياسي، وأوضح أن علاقة هذه الجماعات بالمفاهيم الغربية الحديثة مثل «الديمقراطية» و«الحقوق» و«المساواة» و«الحرية» هي مجرد الاستغلال والمفاهيم المؤثرة لديهم هي «الحاكمية» و«الجاهلية».