لا بد من إعادة قراءة الكثير من المسلَّمات في حياتنا أحياناً، ومراجعة ثوابت الأمور إذا ما أصاب حال الإنسان صائب، وتبدلت أحواله، فلا نجعل العادة هي التي تتحكم في أمور حياتنا وتفاصيلنا، وإذا لم نفعلها نشعر بشيء من النقص أو أن إيقاع سير أيامنا ليس كما ينبغي أو حتى نشعر بذلك النقص الاجتماعي، لأن جارنا فعلها، وصديقنا عملها، وأنا عجزت عن ذلك، ولنأخذ واحداً من الأمور التي كانت من الأساسيات في حياتنا، وجزءاً من برنامج الفصول الأربعة في السنة، وهو السفر، حتى غدا السفر طقساً اجتماعياً لا يمكننا أن نتنازل عنه بشكل من الأشكال، وأصبح سمة كل الأفراد في مجتمعنا صغيرهم وكبيرهم، وهو من الأمور الحميدة، ومن فوائده اكتساب معارف وثقافات جديدة، وتحفيز الأطفال على تعلم مهارات، وكسر حدة الخوف من الآخر الغريب، وعدم التهيب منه.
لكن السفر هذه الأيام، يكاد يكون خالياً من الفوائد الخمس، وربما صارت فوائده سيئات وتبعات، فخيرٌ من السفر، لكثير من العائلات، الاستقرارُ في الوطن، والقَرّ في المنازل على الأقل هنا كل شيء مجهز، ومعد للعناية بالناس، والحال الذي جعل الكثير منا صابرين خلال العامين المنصرمين، ومكثنا في بيوتنا، يجعلنا نزيد مع العامين نصف عام آخر، ولا نتبهدل مع عائلاتنا في مناطق لا نعرفها، ولا نعرف الاحتياطات المتوجبة علينا، والمتغيرات السريعة التي تطرأ على هذه الجائحة وتحولاتها، فالبلدان ليست هي البلدان، وما كنّا نعرفه بالأمس، اليوم نجهله، فلا نريد متعة أسبوع تتحول لعذابات شهر، وما يمكن أن يجعلنا في أسبوع منعمين، وفرحين بتغيير الجو، قد يرمينا أسابيع، ويجعلنا حبيسِي مواقِعِنا، ولا نلوم إلا أنفسنا، خاصة أن الكثير من النساء أصبحن يشكلن عبئاً وضغطاً شبه يومي على أرباب الأسر، مطالبات بسفرة الصيف، وقبل أن تفتح المدارس، وأنهن كنّ تحت ضغوطات كثيرة طوال العام من تعليم عن بُعد، وعدم خروج من المنزل، وغيرها من الأسباب الكثيرة، فأقل مكافأة لهن ولأولادهن سفرة صيفية ولو لمدة شهر.
السفر في هذا الوقت، وفي هذه الظروف يتطلب منا التفكير بوعي، وحساب كل الأمور، وألّا ننصاع لعواطف في الداخل، وتغييب العقل عما هو يجري في العالم والخارج، وأن الاحترازات والإجراءات الصحية لديها ثمنها الغالي في كل مكان في العالم، وليس بمقدور كل العائلات تحمل تبعاتها ومصاريفها، هي مصاريف قد تبدو غيْر ظاهرة، ولا واضحة، ولكنها تشكل الأمر الأساسي والمهم في السفر هذه الأيام التي إن سمعت منادياً ينادي: لا تسافروا.. فليس في الأسفار خمس فوائد! فصدقْه، وثَنِّ على رأيه، واتّبع نصيحته.