في حالة الألم، الألم كل الآلام ورطة لذيذة، عندما يكون القلب مكاناً تسكن فيه القصيدة، وتتألق جملها كأنها باب في غرفة أثرية عند زاوية في زقاق في قرية لم تزل تعبث بالرمل ليصبح زجاجاً لنوافذ غرفها.. 
هكذا يكمن الجرح العميق في وجدان الشاعر الجميل أحمد العسم، يتجلى من خلال (الحبيبة) أمينة وهي في المعنى، تراب بخوره في الصميم عبق من تاريخ، ونسق من نوايا، وحدق يتوخى نعيمه من ناعسات الطرف، ومن سامقات العود، ومن باسقات الأبجدية، هناك حيث تكمن حقيقة العسم، وحيث ترمق الحبال تنهده فتحسو من رميم رونقها، وترتقي وجد الهوى، والنوى، الفارعات في زمن تتقلص فيه كل المسافات، وخطوط الطول والعرض، ولا يبقى للاسم غير حلمه الأطول من ظل السدرة في بيته القديم، هو هكذا يكتب لنا العسم عن دورة الزمن الدموية، وعن شهقة امرأة مضها تكسر المرايا، وعن فكرة ربما لم تتفتق لوزتها عن عذوبة، أو حتى عن وعي في ذلك الغصن الذي تثقله
العسم في قصيدته (أمينة) يحمل على كتف القصيدة شعرية بالغة الثراء، سخية، رخية، رضية، فتية في تماهيها مع الواقع، كما هي في المضمون تمرر شيئاً من الأشواق، إلى فكرة ضيعها الطوفان فباتت مثل قطعة أثرية لا يراها إلا الباحثون عن ذات في معمعة الأشواق المهدرة، في زحام المركبات ذات الهدير. 
العسم اليوم، يقف عند رصيف المرحلة يتأمل، تلك النجوم التي تخر من عل فتقع على أسفلت ينز بالحرقة، في صيف المشاعر المجهضة، والأحلام تحت قبعة السماء، تبدو له أنها لم تزل في خضيب ولادتها الأولى تحتاج إلى رفرفة الأجنحة، تحتاج إلى تحليق كي تصفو رحلاتها بين الذهاب والمجيء، بين الرفرفة والتحليق، بين الإغماضة والتحديق، بين اللمضة والتطويق، بين هذا كله يجد العسم نفسه، لحظة تفر من غلل الموجة العارمة، ليصل إلى مكانه في قلب القصيدة، في المضمون، والغصون، ناصية الأشياء الحقيقية، وغير الزائفة.
هو هكذا شاعر من زمن يأتي محملاً بوعي الإنسانية وصحوة الكهان حين تبدو الحياة ملكوتاً، لا يملكه غير السائرين في درب (أوشو) وسواه أولئك الضائعون في نيرفانا الخلق والإبداع.