بينما تستعد القوات الأميركية للانسحاب من أفغانستان، من الواضح أن الوضع يتدهور. فقوات الأمن الأفغانية تصطدم مع حركة «طالبان» التي تجتاح المناطق الريفية في أفغانستان. والوضع الذي يتكشف هو وضع فوضوي وليس في مصلحة الدولة ولا المنطقة.

إن أفغانستان تنحدر ببطء إلى الفوضى وحرب أهلية. ومن الواضح أن «طالبان» تتحرك في جميع أنحاء البلاد مستفيدة من تقليص قوات «الناتو». ووفقاً لـ«طالبان»، فقد احتلت بالفعل 85% من البلاد بأكملها. كل هذا يشكل ازعاجاً لأفغانستان وجيرانها.

وفيما يتعلق باللاعبين الإقليميين، فإن انسحاب الولايات المتحدة من شأنه أن يزيد من نفوذ باكستان، لكنه أثار أيضاً مخاوف من انتقال هذه الحالة من عدم الاستقرار في أفغانستان إلى جنوب آسيا. حتى إسلام آباد، التي من المتوقع أن يزداد نفوذها مع العودة المتوقعة لحركة «طالبان» التي تربطها بها صلات عسكرية قوية، كانت تأمل في إحراز بعض التقدم في عملية السلام قبل خروج الولايات المتحدة.

وقد سبق لمسؤوليها أن أوضحوا أنه من المهم أن يتزامن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان مع التقدم المحرز في عملية السلام. وقد اضطلعت باكستان بدور هام في جلب «طالبان»، التي تربطها بها صلات قبل حملة الولايات المتحدة، إلى طاولة المفاوضات. وبمجرد وصول «طالبان» إلى السلطة بأي وجه من الوجوه، من المتوقع أن تستمر باكستان في لعب دور رئيس.

حددت الولايات المتحدة موعداً نهائياً رسمياً في 11 سبتمبر لسحب القوات الأميركية المتبقية، لكن هذا ترك أفغانستان أيضا تنتظر مستقبلاً غير مؤكد للغاية، بعد عقدين من حكم الحكومة الأفغانية. والأمر الواضح أيضا أن الولايات المتحدة لن تقود ما يحدث في أفغانستان بعد الآن. وفي هذا الفراغ، من المرجح أن تتقدم دول أخرى من باكستان وروسيا إلى الصين والهند ومن إيران إلى تركيا.

ولا يزال دور الهند غير مؤكد، نظراً لضعف علاقاتها مع باكستان، التي تتمتع بأكبر قدر من النفوذ مع«طالبان» من بين جميع الدول المعنية. وفي حالة عدم الاستقرار الكامل، سيكون لدى الهند بالتأكيد مساحة صغيرة جداً للمناورة. لقد شهدت أفغانستان منذ سنوات الصراع بين الهند وباكستان.

وسعت باكستان للحد من وجود ونفوذ الهند التي عززت علاقاتها مع الحكومة الأفغانية، واستفادت من الوجود الأميركي للقيام بدور ما. وعلى مدى العقدين الماضيين، قامت الهند، التي رفضت إرسال قواتها، باستثمار أكثر من 3 مليارات دولار في بناء المدارس والطرق والسدود ومبنى البرلمان. وكانت استراتيجية الهند التنموية في أفغانستان تتمثل في مزج المشاريع الصغيرة مع المشروعات الكبرى لبناء النوايا الحسنة بين شعبها، وفي السنوات الأخيرة بدأت أيضاً في التعاون في مجال الأمن، حيث قدمت طائرات هليكوبتر وأجهزة رادار إلى أفغانستان. وفي العام الماضي، أعلنت الهند عن القيام بنحو 150 مشروعاً إضافياً بقيمة 80 مليون دولار في أفغانستان.

بيد أن الهند، مثل البلدان الأخرى، تدرك أيضاً أوجه عدم اليقين في أفغانستان. وبالنسبة للهند، أثار انسحاب القوات الغربية مخاوف من فقدان النفوذ الذي بُنِي على مدى عقدين من الزمن تحت مظلة الحماية الأميركية. هذا لأن هناك قلقاً حقيقياً من أن وصول حكومة «طالبان» فقط إلى السلطة قد لا يؤدي إلى عدم الاستقرار في أفغانستان فحسب، بل قد يمتد أيضاً إلى المنطقة، لا سيما في الجزء الهندي من كشمير.

ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت «طالبان»، بمجرد وصولها إلى السلطة، ستتواصل مع دول أخرى في المنطقة. يعتقد البعض أن «طالبان» ترغب أيضاً في الحفاظ على العلاقات مع القوى الإقليمية وليس فقط مع باكستان. وعلى الرغم من أن الهند ليس لها أي صلات بحركة «طالبان»، إلا أن الحركة لم يكن لها رد فعل عندما ألغت الهند الوضع الخاص لإقليم كشمير في العام الماضي.

لقد فتحت الهند أيضاً بعض قنوات الاتصال مع «طالبان»، لكنها قد تكون متأخرة وغير ذات قيمة.لا يزال هناك هناك انقسام بين الفصائل المختلفة داخل حركة «طالبان» نفسها. ولذا، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين حكومة أشرف غني وحركة «طالبان» قبل رحيل آخر دفعة من القوات الأميركية وقوات «الناتو» بحلول نهاية هذا الشهر، فستدخل البلاد في مستنقع عميق من الحرب الأهلية الطويلة التي يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة برمتها.

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي