مناطق متفرقة من العالم اجتاحتها مؤخراً فيضانات وسيول ودرجات حرارة عالية أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح والأملاك والبنية التحية، وهو ما جعل القادة في الدول المتضررة خصوصاً يضعون قضية التغيرات المناخية على قائمة أولوياتهم. فحرائق الغابات اجتاجت شمال غرب أميركا وغابات الأمازون وإسبانيا والجزائر وشرق المتوسط، والفيضانات عمت مناطق عدة في هولندا وبلجيكا وألمانيا، والحرارة المرتفعة التي وصلت إلى 49.6 درجة مئوية فقتلت العشرات في مناطق كندية لم تزد درجات الحرارة فيها عن 24 خلال السنين الماضية، وسيبيريا الأكثر برودة في الكوكب وصلت درجة الحرارة فيها إلى 38 درجة. كل ذلك حدث في غضون شهور قليلة وما يزال يحدث.
لن يتوقف غضب الطبيعة على تمرد الإنسان طالما أنه ماضٍ في اعتداءاته عليها، فما قبل الثورة الصناعية مختلف تماماً عمّا بعدها، وهو ما أشار إليه خبير الأرصاد البريطاني نيكوس كريستيدس، فالمناخ بدأ بالتغير الملحوظ منذ تلك الثورة التي أورثت العالم كوارث كثيرة، من بينها الكوارث البيئية، وطالما أن الوضع مستمر في الانحدار، فهذا يعني أن القادم أسوأ، وموجات الحر والحرائق ستكثر والفيضانات ستتضاعف، وبالتالي ستكون الخسائر أكثر فداحة، وقد تزيد عن تلك التي حدثت في تسونامي، أو في غابات الأمازون.
وحدهم علماء المناخ جزعون من الوضع الراهن، ومما ستؤول إليه الأمور إنْ استمرت كميات انبعاث الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري بالتزايد، وهو ما سيؤثر كثيراً على التربة الصقيعية في المحيط المتجمد الشمالي التي بدأت بالذوبان قبل أيام، وهو ما لم يحدث منذ ما قبل العصر الجليدي الأخير (110.000 إلى 10.000 عام)، وهنا يكمن الخطر، فذوبان تلك التربة سيحرر فيروسات خطيرة للغاية كانت خاملة منذ زمن طويل، ولن ينجُ الإنسان منها إن كانت أكثر خطورة من كوفيد- 19.
إزاء التحذيرات التي يطلقها العلماء وخبراء الأرصاد، يرفض البعض من الدول والأشخاص المؤثرين على العالم التوقف عندها والأخذ بأسبابها، لا بل يواجهونها إما بالتجاهل أو بالتكذيب رغم علمهم يقيناً بأن التحذيرات جادة، والمخاطر القادمة كبيرة وكارثية، كما أنهم يقاومون تحركات النشطاء البيئيين ويقللون من شأن ما يقومون به.
(نحن على شفا الهاوية).. عبارة قالها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وأضاف عليها: (التغير المناخي سيدمر حتماً الحياة كما نعرفها حالياً على كوكب الأرض في غضون ثلاثين عاماً وربما أقل). ثم دعا الدول لسرعة التحرك الآن لحماية السكان من التأثيرات الكارثية للتغير المناخي. ومع ذلك فإن تصريحاته لن تغير من الواقع شيئاً إذا لم تُتخذ إجراءات ضد الدول التي وقعت على الاتفاقيات والبروتوكولات الخاصة بالمناخ، ومع ذلك ما تزال غير ملتزمة بتغيير سلوكها المعادي للبيئة، ومصرّة على إثقال كاهل الأرض، حتى وإنْ كان الدمار هو المصير الحتمي للبشرية جمعاء.
في شهر نوفمبر المقبل نحن على موعد مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 26) في غلاسكو، وفيه سيكون تقرير وكالة الطاقة الدولية حول وقف الانبعاثات حتى عام 2050 ورقة العمل الأهم، حيث على الدول الغنية الوفاء بالتزامها لتوفير 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الأكثر فقراً لتتكيف مع الإجراءات الجديدة لمحاربة ما يعاني منه كوكبنا المريض، ومن ثم التوصل إلى إجراءات من شأنها أن تخفض حرارة الكرة الأرضية بنسبة 1.5 درجة مئوية. 
إن خطورة القضية وتطوراتها السريعة تدفعني دوماً للكتابة فيها وعنها لأنني مؤمن بأن من حق الأرض علينا أن نحترمها ونحبها ونسعى لحمايتها، ومن حق الشعوب كذلك أن تحيا بسلام وأمان، وبالرغم من إدراكي أنني لن أستطيع - ولا حتى الشعوب ذاتها - فعل أكثر مما أقوم به، لأن الأمر برمته يقع على عاتق دول بعينها وشخصيات تؤثر سلباً على المناخ.
ويبقى السؤال الثقيل على نفسي ونفوس كثيرين: أي نوع من الحياة يريدها لنا البعض خلال السنوات المقبلة، وبالتالي أي عالم يريدون أن يبقى للأجيال من بعدنا؟! من حق الأرض أن تعيش لنعيش، وإلا فإننا لن ننجو طالما أننا اليوم على شفا الهاوية.