أوضحت تطورات الأيام الأخيرة الماضية السبب الذي يجعلنا أكثر قلقاً من احتمال أن يؤدي خطأ في السياسة النقدية إلى تعطل التعافي الاقتصادي الأميركي المحتمل، والذي نأمل أن يكون قوياً وتحولياً، مع افتراض ألا تقع حوادث السوق أولاً التي تتزايد احتمالاتها أيضاً. 
فقد ارتفع المقياسان الكبيران للتضخم الأميركي- مؤشر سعر المستهلكين ومؤشر سعر المنتجين- بأكثر من التوقعات. وبيانات التضخم الأعلى من المتوقع، تلك أصبحت أمراً شائعاً على مستوى العالم، مما يعكس الجهود التي مازال يبذلها الاقتصاديون وصناع السياسة في محاولة تدارك الأحداث على أرض الواقع. والحقيقة أن ارتفاع المؤشرين له أهمية كبيرة. فهذا يشير إلى أن التضخم المتحقق يصحبه تضخم آخر قادم في الطريق. وهذا يعارض القناعة التي يؤكدها الاحتياط الفيدرالي غالباً، وهي أن التضخم انتقالي.

لننظر إلى موسم أرباح الشركات لتأكيد ثلاث آليات للتضخم سمعها الذين تحدثوا إلى قيادات الشركات مراراً، وهي أن الأجور ترتفع بنسبة أكبر من معدل التضخم العام، وأن اختناقات العرض والنقل ستتواصل على الأرجح لفترة من الوقت، وأن من المؤكد أن الشركات ستترجم جزءاً من عوامل رفع الكلفة، أو كلها، في صورة رفع أسعارها للبيع. 

والتطور الملحوظ الآخر في الأيام القليلة الماضية جاء في الشهادة نصف السنوية لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، «جيروم باول»، أمام الكونجرس حين أقر أن التضخم يصعد فوق توقعات المجلس واستمر لفترة أطول. لكن حين يتعلق الأمر بتداعيات السياسة، لجأ «باول» على الفور إلى مقولة «الانتقالية» المعادة لتأييد عدم التغيير في السياسة. ونقل جون وليامز، رئيس الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، رسالة مشابهة أيضاً، مؤكداً على أن اثنين من أكثر المسؤولين نفوذاً في الاحتياط الفيدرالي، وهما المسؤولان اللذان تنصت لهما الأسواق، مازالا مصرين على إبقاء سياسات التحفيز الشديد رغم التقدير الأدنى المتكرر لكل من النمو والتضخم. 

وكلما دامت هذه الترتيبات، تعاظم احتمال وقوع خطأ في السياسة النقدية. والحقائق على أرض الواقع والتأكيد التقليدي على إدارة المخاطر، كل هذا دعا أقوى البنوك المركزية في العالم إلى البدء بتخفيف التحفيز. وعلى سبيل المثال، يجب تقليص بند الرهون العقارية البالغ 120 مليار دولار من المشتريات الشهرية للأصول. فقد أذكى هذا البند صعود سوق العقارات الصاعد أصلاً، مما أعجز كثيرين من الأميركيين عن شراء منازل دون تحقيق أي فائدة اقتصادية في أي مجال آخر. وبرفض «الاحتياطي الفيدرالي» القيام بهذا، فإنه يغامر بتزايد احتمالات اضطراره إلى اتخاذ إجراءات حاسمة مفاجئة على الطريق. ويصاحب هذا احتمال أن يتسبب «الاحتياطي الفيدرالي» دون قصد في ركود. 

وعدم الاتساق في البيانات وردود فعل سياسة «الاحتياطي الفيدرالي» ليس جديداً. والواقع أن الأيام القليلة الماضية تمثل إعادة لحلقتي أحداث متشابهتين وقعتا في الشهور القليلة الماضية. والضغوط الكامنة تتجمع سوياً لكنها، لحسن الحظ، مازالت معتدلة حتى الآن. وكلما طال أمد الفترة التي يحدث فيها الانفصال بين السياسة والاقتصاد، تعاظمت المخاطر في سوق أُعدت لتتوقع، وتحقق أرباحاً من، ضخ كبير ومتوقع للسيولة من «الاحتياطي الفيدرالي». وهذا يعني أيضاً تزايد احتمالات وقوع حوادث في السوق. وهناك بالفعل ثلاث حوادث قريبة وقعت هذا العام. وإذا لم يتم تفادي العراقيل العامة في السوق في المرة التالية، سيواجه «الاحتياطي الفيدرالي» تحديات أكبر في السياسة، مع الأخذ في الاعتبار حدوث اختناقات في الاقتصاد الواقعي. 

وفي الأسابيع القليلة الماضية، انضم عدد متزايد من الاقتصاديين وقيادات الشركات إلى الدعوة المطالبة بعقلية أكثر انفتاحاً فيما يتعلق بتقييم طبيعة واستمرار الضغوط التضخمية الحالية. وهناك أيضاً أدلة على انقسام أكبر في «الاحتياطي الفيدرالي» مع تعبير ثلاثة رؤساء على الأقل لبنوك إقليمية عن دعمهم لإجراءات تدريجية مبكرة عن تلك التي تحبذها القيادة العليا لـ«الاحتياطي الفيدرالي». ولحسن الحظ، مازال هناك نافذة لتجنب أخطاء السياسة وحوادث السوق. لكن النافذة في طريقها إلى الإغلاق مما يغامر معها بضياع ليس فقط استمرار وقوة تعافٍ اقتصادي شامل، لكن أيضاً بالبرنامج الاقتصادي التحولي لإدارة بايدن. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»