من ينظر إلى لبنان اليوم ويقارنه بلبنان الأمس، فإن قلبه ينفطر ويعتصر مما يراه اليوم عليه. فبعد أن كان هذا البلد منارةً لدول الشرق الأوسط وسمّاه البعض من قبل «سويسرا الشرق»، أصبح اليوم مثار شفقة وعطف ونظرة مختلفة عما كانت عليه حتى وقت قريب.

فلعن الله الطائفية التي أوصلت لبنان إلى ما أوصلته إليه. وإنْ لم تكن الطائفية وحدها هي المعنية بدمار هذا البلد بالدرجة الأولى؛ فهناك التدخلات الخارجية التي ما فتئت تتوالى والتي أسفرت عن إحداث أكبر الأضرار فداحة، وساهمت في إيصاله لمراحل الشقاق والتقاتل بين إخوة الوطن الواحد، وعملت على تفتيته حتى أصبح أشبه بكانتونات يقبع داخلها كل طرف في نطاق سيطرته.

وتطور الموقف الداخلي في لبنان إلى مراحل خطرة لا يمكن العودة عنها بسهولة. هذا بالإضافة إلى موقعه الجغرافي إلى جوار إسرائيل و«دول المواجهة»، مما جعل منه بؤرة لتدخلات ذات أشكال مختلفة ومن عدة أبواب ولأغراض مختلفة، بما في ذلك ذريعة رأب الصدع بين أفرقاء وإخوة الوطن الواحد.

وتفاقمت حالة لبنان وتردت الأوضاع فيه إلى مستوى غير مسبوق وأصبحت اليوم تتهدده الكثير من الأخطار، أقلها خطر الإفلاس والانهيار الشامل جراء دخول البلاد في مرحلة تنذر بالخطر الداهم. كما أن الوضع الداخلي متشابك ومعقد لدرجة يصعب معها فك ذلك التشابك، بل أصبح الأمر من المستحيل دون تضحيات حقيقية.

ومن ناحية أخرى يتأكد ما يلهج به زعماء هذا البلد عندما يقولون بأن صلاح أمره يكمن في الخارج، أي يكون إذا ما وجدت الإرادة والقرار الخارجي لإصلاحه. وهو أمر يبدو حالياً على الأقل وفي المدى المنظور صعباً جداً إنْ لم يكن مستحيلاً، وذلك بالنظر للمعطيات الإقليمية الحالية في الشرق الأوسط التي تمنع وجود حل توافقي وسط لأزمة لبنان. وهو ما يسبب غصة في القلب لرؤية «بلد الأرز» ينهار ولا من مغيث أو منقذ. وهذا في الوقت الذي يراه فيه زعماؤه على هذا الوضع البائس وهم ما يزالون يتنازعون على ما تبقى من حطامه!

لبنان اليوم في أسوأ أوضاعه؛ إذ لا ماء ولا كهرباء ولا وقود ولا طعام، ولا شيء من مقومات العيش التي لا تتوفر فيه. وبالتالي فإن أي نهوض لهذا البلد يتوجب أن ينبع من إرادة أبنائه، ومن قناعة زعمائه وقادته وشعبه بأن الخلاص الحقيقي لبلدهم ينبع من الداخل. وهو أمر مهم جداً إذا ما أرادوا وطناً ينعم بالعيش المشترك لجميع أهله، وهذا ليس صعباً إذا توفرت النية الصادقة، ونتمنى من الله أن يتحقق.

*كاتب كويتي