في تطور متوقع، لكنه مقلق، قدّم رئيس الوزراء المكلَّف بتشكيل الحكومة في لبنان، سعد الحريري، اعتذاره عن المهمة بعد أن عرض الأسماء التي يقترحها على رئيس الجمهورية، الذي لم يوافق على الأسماء طالباً إجراء تغييرات «جوهرية» عليها وفقاً لتعبير الحريري.

وبالتأكيد أن هذا الاعتذار قد أدخل لبنان في مأزق جديد صعب فوق المآسي والمآزق الكثيرة التي يمر بها منذ زمن ليس بالقصير ويدفع الشعب اللبناني أثماناً باهظة لها، وبالتأكيد أيضاً أن الاعتذار ورفض رئيس الجمهورية لعدد كبير من الأسماء التي تحتويها القائمة وطلب إجراء تعديلات عليها، بمعنى استبدالها بأسماء أخرى، يثيران العديد من الأسئلة الجوهرية حول أسباب الاعتذار وأسباب الرفض وحول التداعيات التي يمكن أن تنتج عنهما وحول مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي.

والمقلق في أمر الاعتذار أنه جاء بعد تسعة شهور أو نيف حاول خلالها رئيس الوزراء المكلَّف إيجاد صيغة توافقية مقبولة لدى رئيس الجمهورية والأطراف السياسية الأخرى الفاعلة في الشأن اللبناني سياسياً، لكن يبدو بأن جميع محاولاته تلك ذهبت أدراج الرياح وأوصلته إلى الطريق المسدود الذي وصل إليه واضطره إلى الاعتذار.

ونتيجة لذلك، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة تعصف بالبلاد، فإن لبنان كدولة يبدو الآن وهو على حافة الانهيار التام، وهو الآن في شلل من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث وصل إلى نهايات مسدودة على صعيد هذه المسالك. الصورة الماثلة الآن، والتي خرجت نتيجة لاعتذار الحريري عن المضي في تشكيل الحكومة مدهشة ومتناقضة.

وللوهلة الأولى محيرة جداً تعكس تصاعد حدة الصراع بين الساسة اللبنانيين حول عدة قضايا مفصلية تحدد ليس فقط مستقبل لبنان كدولة لم تنعم بالاستقلال منذ عام 1975 حين اندلعت الشرارة الأولى للحرب الأهلية المدمرة التي ألمت به، ولكن أيضاً مستقبل الأمن والسلم في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي بكاملها.

إن الصراع السياسي المحتدم حالياً في لبنان بين أبناء الشعب اللبناني من جانب وبين العديد من قادة لبنان السياسيين من جانب آخر هو عنصر رئيسي من عناصر الصراع الإقليمي والدولي الدائر على الأرض اللبنانية، والذي يمثل مواجهة بين القوى اللبنانية الوطنية الحريصة على البلاد وشعبها ومستقبلها، ممثلة في شعب لبنان ذاته الذي يدفع من دم أبنائه وقوته وكرامته الشيء الكثير للمحافظة على وطنه وبين القوى الخارجية المتنفذة في شؤون لبنان الأمنية والسياسية والاقتصادية منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين إلى وقتنا الحاضر ممثلة في «حزب الله» اللبناني، الذي تقف ورائه وتسنده إيران، هذا بالإضافة إلى القوى الدولية العظمى والكبرى ذات المصالح الواسعة في لبنان ممثلة في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وغيرها من الدول الفاعلة في الشأن اللبناني.

تلكم هي صورة المشهد اللبناني الحالي، وهو مشهد خطير جداً حضرت فيه جميع الأطراف الفاعلة في شؤون المنطقة العربية وجوارها الجغرافي عدا الحضور العربي الغائب تقريباً عن كل ما يحدث في لبنان، رغم زيارة سعد الحريري الأخيرة إلى القاهرة، ورغم مناشدة الرئيس المصري له بعدم الاعتذار عن تشكيل الحكومة الجديدة.

وعليه، فإنه لعدم اتفاق السياسيين اللبنانيين من كافة الأطياف على تشكيل الحكومة، واعتذار سعد الحريري بالذات عن تشكيلها نتيجة لما وُضع أمامه من تعقيدات يشيب لها الولدان، فإن لبنان الدولة أصبح على المحك ويواجه مجموعة مخاطر كبرى، أولها نشوب الحرب الأهلية من جديد، وتزايد حدة نفوذ «حزب الله» ومن خلفه النفوذ الإيراني، وخطر التدخل الخارجي عسكرياً، خاصة من قبل إسرائيل بحجة محاربة «حزب الله» والمحافظة على أمنها. وأخيراً وليس آخراً خطر الانهيار الاقتصادي التام الذي له مؤشرات قوية بأن يحدث في أية لحظة نتيجة لانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي، فماذا بقي من لبنان بعد هذا كله؟ وماذا بقي لشعبه لكي يعيش عيشاً كريماً؟

* كاتب إماراتي