كلما هلَّ عيد تذكرت والدتي (رحمها الله)، وهي تردد هذه القصيدة الشعبية (العيد لا يانا ولا مر حاشا ولا بالعين ريناه.. العيد خطف ساحر البر وين الجدم زاهي بحناه)، ثم تضيف (العيد يا بنتي مو من لبس ثوب جديد.. العيد من حاتى يوم الوعيد)، لكأنها كانت تتنبأ بأعياد هذا الزمن، وتحفر في ماض لم يظل حاضراً في ذاكرة تأبى الغياب في النسيان.. ذاكرة تؤكد الوجود الحي لامرأة تتحدى معول الزمن بتيقظ وتوهج نادرين. ضحكتُ وقلت لها: أنا سألبس الجديد يا أُمي، وأحسب حساب يوم الوعيد. هكذا دوماً يدور الكلام باختزالات بيننا، وحتى أوضح لها حسن نواياي ويقين إيماني، والحمد لله، أشرح لها معنى كلامي الذي لا يعني سوى الرغبة في فرح لا ينطوي إلا على ذاته، ولعل أمي لم تكن بحاجة إلى تذكيرنا بذلك الوعيد، فهو يقف بالمرصاد في هذا الزمن الذي يحصد خطوات البشر بالأوبئة والحروب في كل منعطف وزاوية، حتى أصبح الوعيد حاضراً، ولم يعد وعيداً يضمر وعداً بما سوف يكون، بل حقيقة فادحة للموت، تفني بالجملة لا بالمفرق، وبالتساوي لا بالتفريق بين طفل لا ذنب له سوى براءته! وشاب ومُسن وامرأة ورجل وحيوان!، ما الذي يستطيعه الإنسان الذي أصبحت مشاهدة الفظائع جزءاً من ذاكرته اليومية على مدار الساعات والزمن، وأصبحت الحسرة واقعاً يقطعه في ذهابه وإيابه.. ماذا يفعل غير كبت الألم وحبس الدموع في الحلق وفي مجمرة القلب! كيف يحدث كل هذا الموت الذي أصبح وكأنه غاية تفوق غاية البقاء، وحقيقة تفوق قدرات الخيال في أقصى شطحها وغرائبها.. ماذا يقول للعيد، وكيف يحتفي به والشباب يموتون وهم قوة الحياة والإبداع والمستقبل ويبقى المتطرفون الجبناء مختبئين في جحورهم؟، أي عقل هذا الذي بلغ من الوحشية حد الهول، وماذا نستطيع أن نقول، وقلوبنا تنزف ونبضنا يؤلمنا، ونحن نرى مكابدات الإنسانية، في مناطق مختلفة من العالم، من المعاناة والوباء؟!، أية معاناة بالغة، وليس لها سند من منطق لا في التواريخ السحيقة، ولا في عصر البداءات، ولا في أزمنة الأوبئة والعماء! 
ولكن رغم ظروف الوباء ومعاناة العالم منه يشرق في النفوس والآفاق وعد، بعودة أجواء الفرح للعيد من جديد، بانتهاء الوباء، والمعاناة، بفضل جهود قوى العالم الخيرة وفي مقدمتها الإمارات التي مدت يد العون لشعوب الأرض، وقادت جهود مواجهة الوباء، وجسدت معنى الأخوة الإنسانية.