تنطلق يوم غدٍ في العاصمة اليابانية فعاليات أولمبياد طوكيو، أكبر حدث رياضي يفتتح في ظل جائحة كورونا والمؤجل من العام الماضي.
 واكب الحدث قبل انطلاقه العديد من الأحداث بعيداً عن تداعيات الجائحة، تندرج في صميم سلوكيات الشخصية اليابانية الصارمة عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية الأخلاقية لدرجة عدم التسامح، والتأنيب الذاتي الشديد.
الاثنين الماضي، قدم المؤلف الموسيقي الياباني كيغو أويامادا الذي شارك في تصميم حفل افتتاح الأولمبياد استقالته بعد اعترافه بقصة تنمر قديمة أيام الدراسة بحق رفاق له من ذوي الاحتياجات الخاصة في مقابلات صحفية تعود للتسعينيات، دون إبداء أي ندم. وبعد أن أعلنت اللجنة المنظمة قبولها استقالته، قررت حذف مقطوعة موسيقية من حفل الافتتاح مدتها أربع دقائق من تأليف أويامادا.
شهد الأولمبياد قبل انطلاقه تنحي العديد من مسؤوليه لأسباب مختلفة، وفي مقدمتهم يوشيرو موري الرئيس السابق للأولمبياد الذي استقال في فبراير الماضي بسبب تعليقات متحيزة جنسياً، وعندما تسمع العبارة الأخيرة تعتقد أن الرجل متورط في قضية تحرش أو اعتداء، ولكن كل ما أُخذ عليه كلمة عابرة قالها وكلفته غالياً، عندما وصف زميلاته المشاركات في اللجنة المنظمة بـ «أنهن لا يجدن غير الثرثرة في الاجتماعات».
كما استقال في الشهر الذي يليه هيروشي ساساكي المدير الإبداعي لحفلتي الافتتاح والختام بعد أن سخر من ممثلة كوميدية لبدانتها.
عندما تقترب من اليابانيين تلمس حجم التدقيق لدرجة التقديس للكلمة قبل أن تخرج من الألسنة أو تكتب. هذا التدقيق هو الذي دفع رجلاً مثل عميد اللغة العربية الأسبق في جامعة طوكيو نوبواكي نوتوهارا للعيش لسنوات عدة في القرية التي دارت فيها أحداث رواية «الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوي، حتى يكون دقيقاً أميناً في ترجمته الرواية للغة اليابانية!
قبل عشر سنوات تقريباً التقيت في مدينة نجازاكي أحد الناجين من هجوم القنبلة النووية الثانية التي ألقيت على بلاده، وكانت المترجمة تتولى ترجمة الحديث بيننا من اليابانية للإنجليزية. انتهت المقابلة وعدت لفندقي، وقبل أن أدخل غرفتي وردتني رسالة عاجلة منها تصحح كلمة في الحوار لضمان دقة النقل رغم أن الكلمة لم تكن لتؤثر في سياق الحديث.
مجتمعات تدرك قيمة الكلمة وأثرها فوصلت إلى ما هي فيه اليوم من تقدم وتطور، وأخرى تعتبرها مجرد كلام، و«كلام الليل يمحوه النهار» في تصميم مبيَّت للعودة عن أي كلمة، والدقيقة لها قيمتها فكيف بأربع دقائق في كوكب اليابان؟!