في الأيام الماضية كنت أقرأ خبراً منتشراً (وحصرياً بين مواقع منصةُ انطلاقها واضحة وواحدة) عن لوبي سياسي في البرلمان الأوروبي يُدين الكويت ويؤلب ضد الدولة الكويتية! اللوبي الأوروبي - حسب ذات المواقع- مدعوم من دولة الإمارات.

لو لم أكن صحفياً، متابعاً ولي علاقاتي في بروكسل، لصدقت الحكاية من كثرة تكرارها. لكن القصة كلها افتراء مفضوح وكذب معلن. منذ بداية جائحة كورونا، والاتحاد الأوروبي بمؤسساته وبرلمانه يعمل في الحد الأدنى، واللوبيات ببساطة نشاط سياسي يتطلب لقاءات واجتماعات وحضوراً وعلاقات عامة مباشرة ومتواصلة ومكثفة، وهذا لا يمكن تحقيق الحد الأدنى منه في ظل ظروف جائحة أغلقت بروكسل بكل مؤسساتها طوال عامين. فكيف استطاع برلمانيون أوروبيون أن يصنعوا جماعات ضغط ومصالح ضد دولة الكويت؟

وكيف لم يسمع بذلك أحد من صحفيين من كل أصقاع الأرض، إلا إذا كان اللوبي المذكور «تنظيماً سرياً» يشبه التنظيم السري للإخوان مطلع نشأتهم في مصر، وها هم اليوم تنظيم معلن. الخبر المنتشر بكثرة فقط في حدود تلك المواقع التي تتبع جهة واحدة فقط، احتوى أسماء منها ما نعرفه ومنها لا نعرفه.

نبدأ بمن نعرفهم، فقد اتهم الخبر رمضان أبوجزر بأنه أحد الأذرع التي تحركها الإمارات في بروكسل للتحريض ضد الكويت.أنا أعرف السيد رمضان جيداً، وأدعي أنني أكثر من يجادله بقسوة، ورمضان على كثرة ثرثرته «السياسية» التي توجع رأسي وغالباً ما تكون في مكتبه العادي جداً ضمن «مركز بروكسل للدراسات»، الذي يديره، إلا أنه واضح في خصوماته التي لا أعتقد أنه يديرها بالوكالة عن أحد..أي أحد.

رمضان، مبدئياً كبلجيكي قدم مهاجراً من غزة حيث مسقط رأسه، تقاطعت أجندته السياسية مع كل من يحارب التطرف الديني وتيارات الإسلام السياسي تحديداً، وهذا لا يصنع تبعية بقدر ما يصنع تحالفاً فكرياً وسياسياً لجماعات تلتقي على نفس الفكرة. أما الاسم الذي لم نعرفه، كان برلمانياً أوروبياً، بحثت عنه ووجدت في تاريخه وسيرته المهنية ألف علامة سؤال حول أجندته التي لا أعرف تقاطعاتها ولا يمكن تحديدها بوضوح، فالرجل يدعي أنه يدافع عن حقوق الإنسان ويحارب الانتهاكات لكنه يستهدف دولاً بعينها دون دول.

تلك أجندة جديدة في عالم حقوق الإنسان، لم نسمع عنها من قبل. الأدهى والأنكى أنني وحين بحثت وتوسعت أكثر في القصة، وجدت نفسي أقرأ بياناً رسمياً صادراً عن الكويت نفسها ينفي جملة وتفصيلاً-وبلغة استهجان واستغراب- قصة وجود لوبي أوروبي في بروكسل يُحرض على الكويت. فعلياً، وبكبسات بسيطة على لوحة المفاتيح، يمكن الدخول على موقع الاتحاد الأوروبي نفسه لقراءة كل قراراته وسياساته وبياناته.

لا يوجد سطر واحد ضد الكويت خلال السنوات الماضية، ولا سطر واحد يدين أو ينتقد الكويت. لذا، نعيد ونكرر: هذا دجل وشعوذة ممولة تخلق القصص الكاذبة، وليس إعلاماً محترماً يقدم الحقيقة. مشكلتنا أن الحقائق راسخة على الأرض، أما الأكاذيب في عصر الثورة المعلوماتية فلها أجنحة لتطير وتحلق بعيداً.

* كاتب أردني مقيم في بلجيكا