من المفارقات المؤسفة أنه في أعقاب اتفاق الدول الأعضاء بمنظمة الصحة العالمية، خلال اجتماع جمعية الصحة الدولية السابع والثلاثين، عن تخصيص وتوصيف عام 2021 كعام للعاملين بقطاع الرعاية الصحية (Year of Health and Care Workers)، عرفاناً وإدراكاً من المجتمع الدولي بحجم التفاني والتضحية التي قدمها الملايين منهم منذ بداية الوباء الحالي، مشكلين خط الدفاع الأول ضد فيروس شرس حصد حياة الملايين بالفعل، تأتي المفارقة أن في هذا العام بالتحديد يتعرض هؤلاء لظلم وخذلان غير مسبوقين.

ويتجسد هذا الخذلان في أقسى صورة، في حقيقة أن الملايين من العاملين في قطاع الرعاية الصحية حول العالم، لم يتلقوا حتى جرعة واحدة من أي من التطعيمات التي حصلت على تصاريح بالاستخدام الطارئ حتى الآن، وذلك حسب تقرير صدر عن المجلس الدولي للممرضات، والذي يمثل 27 مليوناً من أفراد الطاقم الطبي على مختلف تخصصاتهم ووظائفهم. فمن بين 135 مليوناً يعملون في هذا القطاع في مختلف دول وقارات العالم، حسب إحصائيات منظمة العمل الدولية، يلقى 200 من العاملين في قطاع الرعاية الصحية حتفهم كل يوم، منذ بداية الوباء وحتى وقتنا هذا، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، وهي الوفيات التي لا زالت مستمرة، دون أن يكون هناك بارقة أمل بعد في توقفها أو تراجعها في المستقبل القريب.

وتتجسد حالياً وبشكل يومي، شجاعة وتفاني العاملين في قطاع الرعاية الصحية، في حقيقة أنهم جميعاً ينهضون يومياً للذهاب لعملهم، مقدمين ما يستطيعون من مساعدة وعون لملايين الأشخاص الذين يصارعون المرض، في أماكن يرتع وينتشر بها الفيروس، بداية من العيادات الخارجية، ومروراً بأقسام حجز مرضى كورونا، ونهاية بغرف العناية المركزة التي تستقبل المرضى الذين تدهورت حالتهم بشكل خطير.

ويقوم هؤلاء بهذا العمل اليومي، معرضين حياتهم وحياة أسرهم للخطر، رغم علمهم أنهم لم يتلقوا أية تطعيم بعد، ولا تتوفر لهم حماية تذكر، بل أحياناً حتى لا تتوفر لهم سبل الحماية الشخصية البسيطة، مثل الأقنعة الطبية، والقفازات الخاصة، وملابس العزل والوقاية.

هذا في الوقت الذي يتم فيه تطعيم أفراد وفئات في دول أخرى، أقل عرضة بكثير لخطر العدوى بالفيروس. بل أحياناً ما تختزن بعض الدول مئات الملايين من الجرعات من التطعيمات، بكميات تفوق الحاجة لتطعيم جميع السكان، ولعدة مرات. هذا الغبن وفقدان العدالة في التوزيع، سيعود ليطارد تلك الدول، بعد أن ينهار خط الدفاع الأول في الدول الفقيرة والنامية، لينتشر الفيروس دون حسيب أو رقيب.

* كاتب متخصص في الشؤون العلمية.