اليوم عيد.. وما أحوجنا لعيش لحظات من السعادة نلطف بها أجواء الأيام القاسية التي مرت علينا، فتكون ترياقاً للأرواح التي شاخت بفعل تقلبات الزمان والأحداث المؤلمة. ففي حياة كل واحد منا مضائق للخوف والحزن، إن استسلمنا لها فإنها ستحتجز مراكب آمالنا. ولأنه لا بد لنا من الابتسام على الرغم من الصعاب التي نواجهها كبشر، فإني سأنقل إليكم عبرتين من العبر التي دائماً ما يقع ناظريّ عليها. أول العبر من عالم الحيوان، والثانية من عالم الإنسان.
تعلمون أن القنافذ لا يُمكنها أن تقترب من بعضها البعض كثيراً بسبب الأشواك التي تغطي أجسادها، تلك التي تحميها من أعدائها في الطبيعة، ومن بقية القنافذ أيضاً. لكن إن حل فصل الشتاء وحمل معه البرد القارس فإن القنافذ تقترب من بعضها البعض طلباً للدفء، فتجتمع وتكون مثل كتلة واحدة، محتملة آلام الوخزات التي تتسبب بها حدّة أشواكها، وإذا ما تحقق لها الدفء تنبهت للآلام التي تعاني منها، فبسرعة تتباعد عن بعضها، وما تشعر بالبرد ثانية فإن تعيد كرّة اجتماعها لتنفر بعيداً حينما تشعر بالدفء. وهكذا تقضي القنافذ لياليها الباردة بين اقتراب يكلفها الكثير من الألم والجراح لكنها مضطرة إليه، وابتعاد تحاول من خلاله تخفيف ما تشعر به من أوجاع، لكنها أبداً لن تستطيع الحفاظ على حالة واحدة سواء بالاقتراب أو بالابتعاد دائماً لأنه ستفقد حياتها في كلتا الحالتين، فإن لم يكن بسبب الأشواك التي تصيب أجسادها بأضرار بالغة، فبسبب البرد الذي يقضي عليها. 
ولكأن تشابهاً كبيراً بين الفعل الغريزي للقنفذ وبين ما نقوم به نحن البشر. ففي العلاقات الاجتماعية التي تربط بيننا لايخلو أن يعاني إنسان من الأسى بسبب آخرين، ومع ذلك لا يستطيع أن يبتعد عنهم إلى الأبد، محتملاً ما قد يعانيه من آلام وعذابات، وحتى من أقرب الناس إليه ضمن دائرته أو مجتمعه، لأنه إن قرر الابتعاد عن بيئته وحاضنته فإن سيعيش بلا شك في عزلة، ولنتذكر أن من ابتغى صديقاً بلاعيب عاش وحيداً، ومن أراد زوجة بلانقص عاش عازباً، ومن أراد أخاً أو قريباً كاملاً لا عيوب فيه عاش قاطعاً للرحم. وإني أرى أن على المرء ألا يسعى لتفسير كل ما يحيط به، ولايحلل كل الأمور تواجهه أو الشخصيات التي يلتقي بها، وإلا فإنه سيصطدم بحقيقة أن أصل الماس الفحم!
إن الاكتفاء بما يظهره الناس من خير أفضل من الغوص في كنهم، ولو أنهم اطلعوا على ما في قلوب بعضهم البعض ربما ما تصافحوا يوماً إلا بالسيوف كما قال الفاروق عمر بن الخطاب. لكن في الحدود الدنيا علينا قبول الآخر ممن نرتضي خُلقه وعمله، وأما التباين في الأذواق فهي مسألة عادية، ويقيناً لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.
العبرة الثانية تكمن في أمر أقدم عليه العبقري ألبرت أينشتاين، كان قد وقّع عام 1922 أثناء رحلته إلى اليابان. فقد أقام أينشتاين في فندق، وحينما طلب فنجاناً من الشاي لم يجد معه مالاً يعطيه للعامل الذي جلب له الشاي، فأمسك ورقة صغيرة وكتب فيها عبارة وختمها بتوقيعه، ثم أعطاها للعامل ونصحه بالاحتفاظ بها، وهو ما فعله الرجل الياباني الذي حافظ على قصاصة الورق ككنز ثمين. بعد 95 عاماً، وتحديداً في شهر أكتوبر من عام 2017، اتصل أحد أحفاد عامل الفندق بدار مزادات لطرح القصاصة في مزاد علني، ويوم المزاد بيعت بما قيمته مليون دولار. بقي أن نعرف أن كلمات أينشتاين في تلك القصاصة لم تكن سوى حكمة جاء فيها (حياة هادئة ومتواضعة تجلب السعادة أهم وأفضل من السعي للنجاح المصحوب بالتعب المستمر).