عبر مراحل التاريخ البشري المختلفة، تلازمت الأوبئة والمجاعات بشكل لصيق، بحيث كان غالباً أحدهما يؤدي للآخر، أو أن يكون نتيجة له. هذه الحقيقة اتضحت بشكل جلي، مع صدور تقرير عن منظمة الأمم المتحدة مؤخراً، أظهر أن معدلات الجوع وسوء التغذية حول العالم شهدت زيادة ملحوظة خلال 2020، ويرد جزء كبير من هذه الزيادة إلى وباء كوفيد19 الحالي.
وفي الوقت الذي لا زالت فيه التبعات القصيرة والطويلة المدى للوباء على جوانب الحياة الإنسانية المختلفة، الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، لم يدرك بعد كامل مداها، إلا أن تقرير المنظمة الدولية يُقدر أن عُشر أفراد الجنس البشري، أي أكثر من 800 مليون إنسان، عانوا العام المنصرم من الجوع وسوء التغذية. وهو وضع سيتطلب جهوداً هائلة من الجميع، إذا ما كان للعالم أن يفي بتعهده بالقضاء على الجوع بحلول 2030.
ومؤخراً أصبح الجنس البشري يواجه تحديات جديدة، مثل التغيرات المناخية وغيرها، بشكل جعل المجاعات خطراً وجودياً للملايين. ومنذ بداية العام الماضي، شكل وباء كورونا خطراً كونه أصاب في مقتل إنتاج، ونقل، وتوزيع الغذاء، مما يهدد بوقوع مجاعة غير مسبوقة، زاد من وقعها الانكماش الاقتصادي الذي عانت وتعاني منه جميع دول العالم تقريباً.

وتجسد الاهتمام والقلق الدولي من الوضع الغذائي العالمي، في منح جائزة نوبل للسلام في أكتوبر الماضي، لبرنامج الغذاء العالمي، والذي تعود جذوره إلى بداية عقد الستينات. وعلى مدار ستة عقود، نجحت الجهود الهائلة للبرنامج والعاملين به، في إنقاذ حياة الملايين من المعرضين للموت جوعاً.
ويُعرف التقرير السنوي المشار إليه باسم: (وضع الأمن الغذائي والتغذية حول العالم)، ويعتبر التقرير الأخير هو الأول من نوعه الذي يصدر خلال سنوات وباء عالمي. ويتم إصدار هذا التقرير مشاركة بالتعاون بين عدة منظمات تابعة للأمم المتحدة، منها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة اليونيسيف، وبرنامج الأمم المتحدة العالمي للغذاء، ومنظمة الصحة العالمية.
وكانت التقارير السابقة المماثلة خلال الأعوام الماضية، قد حذرت بالفعل من تدهور الأمن الغذائي للملايين من البشر، نسبة لا يستهان بها منهم من الأطفال. هذا الوضع الهش أساساً، تسبب الوباء الحالي في تعريته وتسليط الضوء على مسبباته ونتائجه، وخصوصاً نقاط الضعف في النظم الغذائية والزراعية الوطنية والإقليمية والدولية، والتي تهدد معيشة العديد من المجتمعات والأفراد في مختلف مناطق العالم.