مع تطور تداعيات «الدولة الفاشلة»، بما يهدد حياة اللبنانيين بخطر دائم، تشير معظم التوقعات إلى استمرار الانهيارالاقتصادي والمالي والنقدي، ليبلغ لبنان أقصى درجات الاهتراء، ويعصف الجوع بمختلف شرائح المجتمع، في ظل فقدان الدواء والمواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، وعجز المؤسسات والإدارة والقضاء، وانهيار القطاع الصحي والاستشفائي، فضلاً عن اشتداد عزلة لبنان الخارجية نتيجة انعدام ثقة المجتمعين العربي والدولي، حيث بدأ هذا البلد الصغير يعاني تداعيات حصار اقتصادي كبير، يبدأ بإجراءات وقف العمل في مرفأ بيروت، ولا ينتهي بصعوبات فتح الاعتمادات المصرفية لمستورداته التي يعتمد عليها لتأمين 90% من حاجاته الاستهلاكية.

ففي مرفأ بيروت، باتت كل الرافعات الجسرية العاملة في محطة الحاويات على وشك التوقف عن العمل كلياً لتعذرصيانتها. وتعزوالإدارة السبب الى حجز المحكمة على إيراداتها بالدولار النقدي، نتيجة دعوى قضائية لحفظ حق التعويض لعائلات شهداء انفجار 4 أغسطس 2020.

وإلى أن يتم حسم هذا الملف، يؤثر بطء محطة الحاويات وشللها على عمل البواخرالكبيرة، ويهدد بتصنيف شركات الملاحة لمرفأ بيروت ضمن المرافئ غير الصالحة لاستقبال السفن، ما يضع الأمن الغذائي والاجتماعي في خطر، مع العلم أن الحجز القضائي يطال نحو 85 شركة ملاحية كبرى. أما عن تداعيات الحصار الاقتصادي الناتج عن صعوبات مصرفية، فهي تعود إلى فقدان الثقة الخارجية بالمصارف اللبنانية، ما أفقدها القدرة على فتح اعتمادات الاستيراد، في ظل العجز الكبير في موجوداتها مقابل التزاماتها، حيث أصبحت مدينة بنحو 6 مليارات دولار لمصلحة المصارف المراسلة.

ولذلك سجلت مستوردات لبنان تراجعاً كبيراً، إذ لم تتجاوز قيمة الاعتمادات المفتوحة في الربع الأول من العام الحالي مستوى 54 مليون دولار، بما يعادل 17% فقط من قيمة اعتمادات الفترة المماثلة من العام الماضي، وأقل من 3% من الفترة المماثلة من عام 2019 الذي سجل اعتمادات بنحو 2 مليار دولار.

وينتظر أن تزداد الأزمة تعقيداً مع استمرار حالة التعثر الداخلي، والذي يمكن أن يتحول سريعاً إلى إفلاس «قسري»، ما يضع لبنان كله في حالة من العزلة المالية. ولمواجهة تداعيات إدارة «الدولة الفاشلة»، توقف المراقبون باهتمام بالغ لقراءة التحرك الدولي بقيادة فرنسا والولايات المتحدة، نحو إدارة انهيار لبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً، وذلك من خلال تمويل يهدف إلى تنشيط خدمات أساسية لدعم الشعب اللبناني.

لكن اللافت صدور توصية عن «بعثة تقصي الحقائق حول الاستقرار في الشرق الأوسط»، والمكونة من برلمانيين فرنسيين، بنشر قوة عمليات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي، لتعزيز الأعمال الإنسانية، إضافةً إلى أعمال تنموية من مياه وكهرباء، وإعادة إعمار مرفأ بيروت واستثماره. وبعيداً عن هواجس بعض اللبنانيين وتخوفهم من مخاطر إرسال قوات دولية الى لبنان، أو توسيع نطاق عمل قوات «اليونيفيل»، فإن منطق التفكيرالفرنسي يدورحول «تدخل دولي إنساني مدني»، لتأمين بعض الخدمات التي تقتضيها «إدارة الانهيار» والحد من تداعياته، انطلاقاً من أن الأيام المقبلة تتسم بتوقع ازدياد سرعة هذا الانهيار.

لكن ذلك لم يمنع التخوف من احتمال تعديل «نطاق التدخل» في حال تغيرت طبيعة المخاطر في المستقبل، وما تقتضيه ضرورة الانتقال إلى تدخل ذي بُعد عسكري يؤدي إلى اختراق السيادة اللبنانية.

* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية