منذ الصباح وعلى مدار الأيام أسمع صوت جرس الباب يرن، وحين أذهب لفتح الباب أشاهد رجلان برفقتهما دراجة بايسكل يطلبان مني أن أسمح لهما بقطع الأشجار، وحين أنظر إليهما اعرف من نوع ملابسهما أنهما آسيويان من باكستان ومن بنغلاديش، لكني أرفض أحيانا إذا كنت منشغلة بأمور أخرى أو إذا كان اشتداد الحر لا يسمح لي بمتابعة عملهما في قطع الأشجار، وأحيانا حين أنظر إليهما يرق قلبي ويوجعني وأشعر بالحزن والأسى عليهما، فأوافق على طلبهما لقطع الأشجار، كما أوافق على منحهم قيمة الأجر الذي يطلبانه دون مجادلة في قيمته التي تبدو لي أكثر مما يستحقه عمل لقطع أغصان الأشجار، فأقبل تشغيلهما رفقةً بهما، لأن حديقة بيتي تشبه الغابة داخل البيت وعند مدخل الباب الخارجي. 
لكني أتساءل ما الذي جعل هؤلاء الرجال وأغلبهم شباباً يطرقون أبواب البيوت للبحث عن عمل حتى في اشتداد هذا الحر، الذي يهرب منه الناس إلى مكيفات التبريد، وحتى في انتشار هذا الوباء الشرس الذي دمر وقتل ملايين البشر، وحين أرى بعضهم لا يرتدون الأقنعة الواقية من هذا الوباء أسارع في إعطائهم الأقنعة وأطلب منهم ارتداءها قبل دخول البيت لقطع أشجار الحديقة الخارجية والداخلية، وحتى حين أقود سيارتي إلى متجر لشراء حاجة ما، أرى عشرات العمال الآسيويون يشتغلون في ترميم وتجديد الطرقات وبناء الحواجز والمنعطفات وهم يرتدون الملابس الغليظة والأقنعة والقفازات ويتصببون عرقاً، في لهيب الحر المستعر الذي طوق هذا الكوكب بسبب الغازات الدفيئة الناتجة عن الممارسات البشرية منذ منتصف القرن العشرين، وهي المسؤولة عن معظم ارتفاع درجات حرارة الأرض وانتشار ثاني أكسيد الكربون الذي سببه جشع البشر وجرائمهم التي تدعي أن أسباب ارتفاع درجة الحرارة سببه التلوث الذي أدى الى انتشار الأوبئة بكافة أنواعها عبر السنين وارتفاع درجات حرارة هذا الكوكب، وارتفاع مستوى سطح البحر وانتشار الزلازل والحروب التي لم تكف عن التدمير والقتل وتشريد الملايين من أوطانهم.
رباه.. كم أشعر بالحزن العميق على هؤلاء الذين طوحت بهم أقدارهم إلى الاغتراب والهجرات بحثاً عن لقمة العيش لهم ولعائلاتهم، فيظلون في كل بلاد احتوتهم غرباء أينما اتجهت خطاهم، تحوطهم أعاصير السنين والدمار، ويضج مضجعهم بأحلام الحنين الى أوطانهم حين يغفون على وسادة الغربة وألحفة مزقتها قسوة الفقر وقلة الحيلة!، كم من النساء والأبناء يلهثون في أوطانهم من وجع انتظارهم، وكم تخفق قلوبهم بالشوق الى لقياهم كل صباح ومساء، على مدار السنين!