بعد أن وصله خبر تخرج ابنه في الثانوية العامة، وتلقى التبريكات بهذه المناسبة، جلس متأملاً في أمر وشاركني هذه الفكرة، قال لي: هل تعلم أن ابني درس لمدة 14 سنة في مدرسته، ولم يلتقِ معلماً مواطناً واحداً في حياته، فقلت له وما الخلل في ذلك؟ قال لي: اليوم سألت نفسي من كان يعلم ابني عادات وتقاليد المجتمع الإماراتي أو ما يعرف بالسنع، المقرر في مناهج الدولة؟ لا شك أنه أحد المعلمين العرب، ولهم منا خالص التحية. لكن مهما كان إعدادهم مناسباً للمواد الاجتماعية، لكنهم لن يكونوا مثل أهل البلد في إيصال الهوية الإماراتية للجيل القادم، انتهى الحوار مع صديقي كي يبدأ في مخيلتي.

نحن نعلم أن في بعض إمارات الدولة يدرس ما يقارب 55% من المواطنين في مدارس خاصة تتفاوت في مدى تركيزها على مواد الهوية، لأن متطلبات سوق العمل اليوم تتلخص في اللغة الأجنبية والعلوم والرياضيات، مما أدى إلى إهمال مناهج الهوية الوطنية في مثل تلك المدارس أو على الأقل يتم تنفيذها بالحد الأدنى المطلوب من الجهد، المحصلة النهائية خريجون لا يعلم بعضهم عن وطنهم، كما ينبغي لانشغالهم بأمور أخرى، وفي نهاية الأمر نسمع من بعض الوطنيين عن فقدان الهوية لدى المواطنين في ظل هذا الخضم من التفاعلات مع الاقتصاد والعولمة على حساب المواطنة.

وهذا أمر يتعارض حتى مع مقررات اليونيسكو، التي تحث الدول على الاهتمام بموروثها الوطني في ظل عولمة الحياة. كلنا نعلم أهمية الهوية الوطنية، ومدى حرص وزارة التربية على غرس معانيها وقيمها لدى الأجيال القادمة من الإماراتيين، فإضافةً لمناهج الاجتماعيات والتربية الوطنية، تم استحداث منهاج السنع ومناهج التربية الأخلاقية وغيرها من المناهج التي تعزز قيم الانتماء للوطن وتغرس بذور العادات والتقاليد والقيم الإماراتية، بيد أن النقاش يتلخص في غياب الكادر التعليمي المناسب لهذه المناهج، وبالذات في المدارس الخاصة.

والسؤال: لماذا لا تجبر المدارس الخاصة التي يدرس فيها أبناء الإمارات على استقطاب معلمين مواطنين للقيام بتدريس هذه المناهج؟ الإجابة السريعة أن هذه المدارس تفكر بلغة أهل الأعمال، فتكلفة تعيين المواطن في مدرستهم قد تساوي ميزانية تعيين 3 معلمين من غير المواطنين. ولأننا في سوق مالي عالمي لن نجبر هذه المدارس على القيام بما هو في غير مصلحتها المالية أو يثقل ميزانيتها، لذلك أقترح على الجهات المعنية الشراكة مع هذه المدارس بحيث يعين المعلم المواطن على كادر وزارة التربية والتعليم ثم ينتدب للمدارس الخاصة، وتتحمل المدرسة الخاصة من ميزانيتها الراتب الذي تدفعه لغير المواطنين من المعلمين العاملين فيها، وتكمل وزارة التربية والتعليم الباقي من ميزانيها السنوية، بهذه الطريقة لن تتأثر ميزانية المدارس الخاصة وفي الوقت نفسه، نجحنا في استقطاب كفاءات مواطنة عاطلة عن العمل، لأن مدارس الحكومة قد تم توطين الكادر التعليمي فيها بنسبة عالية، وأهم من ذلك غرسنا الهوية الإماراتية بقدوات تعليمية وطنية.

* أكاديمي إماراتي