هل جربت أن تمتطي قارباً وتنطلق كريح الكوس، مبحراً من الساحل إلى العمق البعيد، هل شاهدت كيف يطوى الموج مثل طي السجاد، هل لاحظت فرح البحر بك وأنت تعانق الماء، هل جربت أن تقف على صدر الزورق/ القارب وتفتح ذراعيك أمام الشمس التي تميل إلى الغروب، هل لوحت لطائر الخرشنة وهو يحلق فوق قمم الأمواج أو شاهدت انقضاض طائر الغواي على الماء/ البحر ليلتقط سمكة سردين/ عومه.. هل تعلمت لغة الطير وميّزت بين أنواعها، هل تعرف جراد البحر كيف يطير فوق سطح الماء؟ إن كنت رجلاً مائياً/ بحرياً، فإن علوماً كثيرة تسكن رأسك وذاكرتك المتقدة والمشتعلة ناراً وماء.
عندما يغيب الساحل خلف الموج والمدى الأزرق، ولا تجد غير سماء وبحر، هل تشعر بالفرح والسرور أم تنتابك المخاوف والشك بأن قاربك الصغير لن يصل إلى غايته؟ 
هل تتذَّكر الجزر التي غابت بعيداً خلق الأمواج، أو التي التهمها الحوت وقدمها هدية للضبع الرابط فوق جزيرة (المغر) الأحمر، أكسيد الحديد الأحمر؟ هل خطر على بالك وأنت تنطلق فوق سطح الخليج العربي بأن صوتاً هناك في القديم قاتل الحوت، ثم سقط بشرف الرجال؟
هل ما زالت الذاكرة مشتعلة أم أنها همدت وماتت ورحلت مع من أشعل سراجاً على قمة الجبل البحري على أطراف الجزيرة؟
ينطلق القارب وتزداد زرقة الماء حتى تصل إلى درجة اللون النيلي، هذا العمق الغزير لا يعبره غير من توحد بين السماء والماء وأسلم نفسه للريح..
بعد هذا المسار البعيد نحو العمق الغزير تلوح لك علامة فارقة، يخرج رأس الجبل من اليم، يزداد وضوحاً كلما اقترب الزورق/ القارب من تلك العلامة الدالة على أنها جزيرة تسكن في عمق الخليج العربي.
كيف صعد هذا الجبل عالياً ليصنع منارة طبيعية في عمق البحر، ثم تدرج في الامتداد ليكون أرضاً منبسطة ومرسى طبيعياً، هذه الطبيعة كيف تتشكل لتكون عوناً لأهل البحر منذ أزمان بعيدة.. بعد هذه الرحلة المائية الطويلة جداً قديماً والقصيرة نسبياً الآن في عصر الزوارق السريعة، كيف تبرز الآن وتنمو وتزدهر لتناسب الحياة البحرية، كيف اختلفت الحياة وأصبح العبور أكثر أمناً والمكان أجمل وأرحب، إنها إرادة من يعمل على إحياء كل أرض تحتاج للعناية، وبعث روح جديدة فيها وإضافة الجديد الذي يزيدها جمالاً وأهمية، تلك كانت رحلتي الأولى التي لا تغيب عن الذاكرة الخاصة من الساحل إلى جزيرة صير أبو نعير، محطة في قلب البحر الآن تزهو وتزدهر لتناسب عشاق البحر والذهاب بعيداً، حيث الهدوء، ليست وحدها هذه الجزيرة تزدهر وتزدان، وإنما جزر كثيرة على امتداد ساحل أبوظبي، هي الجمال والهدوء وتوحد الماء بالاخضرار والشجر.