في غضون أربعين دقيقة، صناديد سلطة موانئ جبل علي، وشرطة دبي، والدفاع المدني، قضت على النيران التي اشتعلت في إحدى الحاويات، قضاء مبرماً، وأصبح الحادث من الماضي خلال هذه الدقائق، أمر يبعث على السرور، ويجعل الثقة بقدرة بلادنا على مواجهة الأحداث الجسام بحجم برج خليفة السامق، الباسق، ويجعل مكانة دبي في عقل العالم، كما هي الأقمار في ضمير السماء، كما هي النجوم في فناء الحياة، كما هي الحكمة في وجدان الحكماء، كما هي الفطنة في قريحة العظماء، كما هي الحنكة في بيت القصيد.
لم يحط العالم رحاله على أرض دبي للنزهة فقط، وإنما لالتقاط ثمرات العظة، والعبر، وللتجول في ميادين الفكرة المكللة بجلال الإبداع، وجمال النبوغ، وبلاغة العطاء، هكذا يرى العالم دبي، بلورة في كأس سحري، كلما نظر الرائي إلى فخامتها ازداد عشقاً للحياة، لأنها في الحقيقة تمثل النموذج لهبة السماء، والمثال الذي تحتذيه المدن، وتقتدي بفرادته، واستثنائيته وعلو كعبه، وتناغمه مع تلك النجمة الراقصة عند شغاف الليل، لتهدي العالم أجمل ترنيمة رق لها فؤاد القمر، أنعم دوزنة ناخت لها ضمائر الكواكب، وهيضت أسنمة.
دبي المدهشة أرهقت قلوب الحاقدين، فاستشاطوا هلعاً غضباً، وصاروا يجوسون مواقعهم الدنيئة، مثل قطط مريضة لا تلوي على شيء، دبي المدهشة رفرفت لها أجنحة قلوب محبة، وهي كثر، وبرونق اللباقة المذهلة جعلت دبي الحادث المباغت حلم ليل ينجلي نهاراً، ليصبح الواقع أبهى، وأزهى على يدي رجال شجعان، أشداء، أخذوا بناصية الهمم الرفيعة، وجادة العزائم العالية، وأزاميل الإرادة الصلبة، حتى أصبح الحادث عصفاً مأكولاً، حيث الدقائق القلائل، هي الحدث الأهم لما أسدته من فصاحة في الجهد، وحصافة في البذل، ونجاعة في العطاء، كل ذلك حدث، وحدث في دبي بالذات، لأنها المدينة التي أشعلت مصابيحها من فتيل الوعي، وأنارت دروبها من شعلات التصميم
والإصرار، ونقت خياراتها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
هذه هي دبي المدهشة، اختارت مصيرها، بإرادة قائد يعرف كيف تصبح القصيدة بلا خلل، والخيل بلا زلل، هكذا هي دبي دائماً مدهشة، كما أنها ملهمة.