في السنوات القليلة الماضية تحولت عبارة «تفتيت شركات التكنولوجيا الكبرى» من شعار راديكالي إلى حركة سياسية للتيار الرئيسي متعددة الشُعب تتمتع بدعم الحزبين. وتولى اثنان من العقليات القانونية التقدمية اللذان أطلقا الشعار، وهما «لينا خان» و«تيم وو»، مناصب مهمة في إدارة بايدن. وهناك تشريع خاص بإصلاح محوري لمكافحة الاحتكار يشق طريقه في الكونجرس. ولاحقت الحكومة الاتحادية «جوجل» و«فيسبوك» قضائيا بسبب الاحتكار، وتُخضع أيضا أمازون وآبل لفحص عن كثب. وبالطبع، ما كان لشركات التكنولوجيا الكبرى أن تستسلم دون معركة. وفي الأيام القليلة الماضية، وجه القضاء اللوم للحكومة في قضيتها ضد «فيسبوك». وأظهر هذا إلى أي مدى يتعين أن تذهب إليه الحركة الناشئة لإصلاح مكافحة الاحتكار لإنجاز أكثر أهدافها طموحا. لكنه أنار أيضاً الطريق أمام أنصار مكافحة الاحتكارات بعدما قدم قرار رفض الدعوى من القاضي الجزئي «جيمس إ. بوسبيرج» لهم خريطة طريق وطاقة جديدة.

ويرى «هال سينجر»، الاقتصادي المناهض للاحتكارات وعضو مجلس الإدارة المنتدب في شركة «ايكون وان» للاستشارات القانونية أنه إذا كان الهدف هو تقسيم عمالقة التكنولوجيا، فهذا القرار بشأن «فيسبوك» يساعد في هذا الشأن، لأنه «سيؤدي إلى مزيد من الأصوات والحماس»، لإعادة كتابة قوانين تقيد منصات الإنترنت المهيمنة. والمزيد من الأصوات والحماس هو المطلوب بالضبط، بعد أن كادت حزمة مؤلفة من ست قوانين لمكافحة الاحتكار ألا تنجو من جلسات مضنية استمرت 29 ساعة في مجلس النواب في الأيام القليلة الماضية.

وكان أكثر مشروعات القوانين شقاقا هو ذاك الذي أُطلق عليه «مشروع قانون التفتيت» الذي تم إقرار صياغته بفارق صوت واحد، مما ينذر بمعركة حامية قبل أن يصبح قانونا. وكل هذا حدث رغم الدعم الذي تم حشده بشق الأنفس من الحزبين والذي تشكل على مدار 16 شهرا من تحقيقات اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار التابعة للجنة القضائية في مجلس النواب حول سلطة منصات التكنولوجيا.

ومشرع القانون هذا، «قانون إنهاء احتكار المنصات»، يعتبره المشاركون في حملة التصدي للاحتكارات العماد الأساسي للصفقة. وأقر مؤيدون للإصلاح أن المستقبل يبدو كئيبا رغم أن هناك عناصر أخرى في الصفقة تتمتع بالزخم المطلوب للمضي قدما إلى الأمام.

فقد رفض بوسبيرج في قراره اثنين من الشكاوى الأساسية للحكومة في مكافحة الاحتكار ضد فيسبوك التي سعت إلى إلغاء الاستحواذ على شبكة انستجرام عام 2012 وواتس آب عام 2014. واستبعد القاضي طعنا من النواب العموميين في الولاية على أساس أنهم انتظروا طويلا للغاية.

واستبعد شكوى من لجنة التجارة الاتحادية، واستند جزئيا في هذا على أنها لم تفلح في دعم الادعاء الأساسي وهو أن فيسبوك تمتلك قوة احتكارية على سوق الشبكات الاجتماعية. وأقام بوسبيرج قراره على المنطق التقليدي لمكافحة الاحتكار الذي صنعت خان شهرتها بانتقادها إياه. واحتفت فيسبوك بالأنباء باعتباره تصديقا على أنها تنافس بنزاهة. ورفع المستثمرون أسهمها إلى ما يتجاوز تريليون دولار في السوق. ووصفت العناوين هذا باعتباره ضربة قوية لمحاولات كبح شركات التكنولوجيا الكبيرة.

فهل انتهى صيف مكافحة الاحتكار سريعا قبل الأوان؟ الأمر ليس هكذا بالضبط. فقد نبه خبراء مكافحة الاحتكار منذ البداية أن تقليص أحجام عمالقة صناعة التكنولوجيا سيستغرق سنوات عديدة. فمن الجدير بالذكر أن أول موجة من مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة استغرقت جانبا كبيرا من عقدين، أي منذ بداية العقد الأول من القرن العشرين إلى الحرب العالمية الأولى. والقضية الاتحادية لمكافحة الاحتكار ضد مايكروسوفت استمرت تسع سنوات، من بدء التحقيق عام 1992 إلى التسوية في عام 2001. ومخطئ من يتوقع حسما سريعا للمعركة مع شركات التكنولوجيا الكبيرة.

ومخطئ أيضا من يعتقد أن فيسبوك قد أخلي سبيلها تماما. فقد رفض القاضي شكوى لجنة التجارة الاتحادية بقرار فصل غير متحيز- أي دون الإخلال بحقها في التقدم بالقضية مرة ثانية في المستقبل- مما يقدم مسودة لها ترد بها على اعتراضات القاضي ومهلة 30 يوما لإعادة التقدم بالقضية. وستفعل هذا في ظل قيادة خان التي تولت رئاسة لجنة التجارة الاتحادية.

وهذه فرصة لخان كي تثبت وجودها في القضية التي تقدمت بها اللجنة في بداية الأمر حين كانت بقيادة جمهوري العام الماضي فيما رأي بعض المنتقدين أنها كانت عملية متسرعة. وفي الوقت نفسه، ساعد رفض القاضي السريع داعمي مشروع القانون على التركيز على حجتهم الأساسية. فالنظام الحالي المناهض لمكافحة الاحتكار ضعيف وغير مستعد لحساب القوة السوقية لمنصات الإنترنت المهيمنة.

والحال الراهن لقانون مكافحة الاحتكار هو ما سمح لآبل ومايكروسوفت وأمازون وألفابت وفيسبوك أن تصبح أكبر خمس شركات من حيث القيمة السوقية. والقاضي رفض الشكوى لتركيزه على مدى انطباق التعريف التقليدي للاحتكار على هذا السوق.

والتغير لن يحدث بسهولة. فمشروعات قوانين مكافحة الاحتكار التي لها أفضل فرصة في أن تصبح قوانين في المدى القصير، هي تلك الخاصة بإصلاح أمور هامشية مثل زيادة رسوم التقدم بطلب الاندماج.

وقانون «جايابال» لتقسيم الشركات لا يوجد له حتى الآن مقابل في مجلس الشيوخ، وجماعات الضغط المؤيدة لشركات التكنولوجيا انطلقت تعارض مثل هذا الإجراء وتجد آذانا متعاطفة لدى كلا الحزبين. لكن الواضح في هذه المرحلة أن الساحة السياسية تغيرت، فحتى السياسيين الأصدقاء للأنشطة الاقتصادية أصبحوا يصرحون أن شركات التكنولوجيا الكبرى أصبحت مفرطة القوة كما تتزايد صفوف الإصلاحيين تدريجيا.

صحفي أميركي متخصص في قضايا العالم الرقمي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»