الثلاثاء الماضي، نشر «مجلس المستشارين الاقتصاديين» التابع للرئيس جو بايدن تدوينة يحذر فيها الجميع من تحميل تقرير الوظائف لهذا الشهر ما لا يحتمل. والأرجح أنه أفرج عن تلك النشرة قبل صدور تقرير الجمعة، درءاً لأي اتهامات ممكنة بأنه يحاول تقديم ذرائع تبرر ضعف الأداء. غير أنه ما حدث في الواقع هو أن الأرقام التي وردت في التقرير كانت قوية: فقد أضاف الاقتصاد عدداً مبهراً هو 850 ألف وظيفة.
المكسب بخصوص الوظائف كان مبهراً بالخصوص، بالنظر إلى الادعاءات واسعة الانتشار بأن الشركات لم تستطع النمو لأن تعويضات البطالة السخية تثني العمال عن قبول وظائف. والحال أن البيانات الصادرة تشير إلى أن المشغّلين تمكنوا من توظيف الكثير من الناس على كل حال.
ثم دعك من تحذيرات دونالد ترامب من أنه سيكون ثمة «ركود في رئاسة بايدن» إذا لم يُنتخب مرة أخرى.
غير أن نقاط المجلس استُقبلت بشكل جيد عموماً. ذلك أن كوفيد- 19 خلق اضطرابات كبيرة جداً في الاقتصاد، وبينما أخذنا نتعافى من تلك الاضطرابات، فإن البيانات الاقتصادية تُحدث صخباً غير معتاد وتشويشاً.
غير أنه في هذه المرحلة لدينا ما يكفي من البيانات بين أيدينا لنعلن أن الاقتصاد يشهد طفرة. بل إنه ينمو بقوة كبيرة جداً لدرجة أن «الجمهوريين» انتقلوا من الادعاء بطلانا بأننا نشهد أسوأ أداء للوظائف منذ عقود إلى الإشادة بأرقام التشغيل الأخيرة ونسب الفضل في ذلك إلى... الخفض الضريبي الذي أقره ترامب في 2017.
سنعود إلى ذلك بعد قليل. ولكن قبل ذلك، لنحاول وضع هذه الطفرة في سياقها الصحيح عبر الإشارة إلى أن الاقتصاد يحقق نمواً أقوى حالياً من ذاك الذي حققه خلال طفرة «صباح جديد في أميركا» التي منحت رونالد ريجان فوزاً كاسحاً في انتخابات 1984 الرئاسية.
فقد كسبنا 3 ملايين وظيفة منذ وصول جو بايدن إلى الرئاسة، أو ما يعادل 600 ألف وظيفة في الشهر. وهذا كبير بالمقارنة بمكاسب 340 ألف وظيفة في الشهر قبيل انتخابات 1984. إذن هي طفرة. ولكن ما الذي يقف وراءها؟
الواقع أن الإلحاح «الجمهوري» على نسب كل شيء جيد يحدث لنا إلى الخفض الضريبي، أمر كوميدي. البعض منا ما زال يتذكر كيف أن الجميع في الحزب «الجمهوري» تقريباً كان يتوقع كارثة بعدما رفع بيل كلينتون الضرائب، ثم عندما أشرف على فترة رخاء وازدهار عوضاً عن ذلك، أعلنوا أن الطفرة الاقتصادية لأواخر التسعينيات كانت نتيجة خفض ريجان للضرائب في أوائل الثمانينيات. وبالطبع، ها هم يلحون الآن على أن الأخبار السارة في منتصف 2021 هي نوع من التأكيد لصحة وصواب الأشياء التي قام بها ترامب قبل أربع سنوات تقريباً.
والحال أن ريجان لا يستحق أن ينسب إليه كثير من الفضل في الطفرة التي شهدتها الولايات المتحدة في 1983-1984، فمعظم الفضل ينبغي أن ينسب إلى «الاحتياطي الفيدرالي»، الذي خفض معدلات الفائدة في 1982.
ولكن كم من الفضل يجب أن يعود إلى بايدن في نمو الوظائف في 2021؟ ليس كله بالتأكيد، ولكن الكثير بدون شك.
فـ«خطة الوظائف الأميركية»، التي زادت من القوة الشرائية للمستهلكين الأميركيين بشكل كبير، كانت من دون شك محركاً مهماً للنمو. غير أن الأهم من ذلك هو الارتفاع السريع في معدلات عمليات التلقيح، والذي أدى إلى انخفاض في معدلات الإصابة والوفيات.
ثم إن الزعامة السياسية لها علاقة قوية بالتلقيح السريع. صحيح أن اللقاحات نفسها طُورت قبل وصول بايدن إلى السلطة، وإدارة ترامب قدّمت طلبيات بملايين الجرعات. ولكن إدارة بايدن اتخذت خطوات أكثر قوة من تلك التي اتخذتها الإدارة التي سبقتها من أجل تنسيق توزيع اللقاحات وإجراء عمليات التطعيم.
وبشكل عام، ينبغي على كل من يشكّك في أهمية الزعامة السياسية في التقدم الذي أُحرز بخصوص مكافحة كوفيد- 19 أن ينظر إلى الاختلافات في معدلات التلقيح عبر الولايات، والتي لديها علاقة مذهلة مع الانتماء الحزبي: ذلك أن الولايات التي صوّتت لبايدن كانت أكثر نجاحاً من ولايات ترامب في تلقيح سكانها.
وعليه، أجل لدينا صباح جديد في أميركا، وبايدن يستحق قدراً أكبر من الفضل عن أيام الرخاء التي نعيشها مقارنة مع ريجان.
وبالطبع، قد تنحو الأمور منحى سيئاً. فمعدلات التطعيم تباطأت، جزئياً بسبب المقاومة في «الولايات الحمراء» (الجمهورية)، والعدد الكبير من الأميركيين الذين لم يلقَّحوا بعد يجعل من ظهور موجة تفش جديدة للفيروس أمراً ممكناً. وعلاوة على ذلك، ولئن كنتُ ممن يرون أن التضخم الحالي يمكن أن يكون مشكلة عابرة، فإننا يمكن أن نكون مخطئين.
وفوق ذلك كله، فإن النجاح الاقتصادي على المدى القصير ليس ضمانة لنتائج جيدة على المدى الطويل. ويبدو أن الكثيرين نسوا تفشي مشاعر اليأس الاقتصادي التي سادت بعيد سنوات ريجان بسنوات قليلة.
ولكن في الوقت الراهن، الأخبار الاقتصادية سارة. وبايدن له كل الحق في الافتخار بها.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2021/07/02/opinion/joe-biden-economy.html